أحرص دائما على متابعة أعمال (يحيى الفخراني)، فالرجل لا يمثل ولكنه يتقمص الشخصية المكتوبة ويتوحد معها ويمتزج بها، ليصبح بكل ذرة في كيانه (عباس الدميري)، بهمومه وشجونه وأحلامه وحماسه وهو يكتب التاريخ كما يجب أن يكون، كما حدث في مسلسل (عباس الأبيض). ولتبكي معه عندما يزدرد (البليلة ) وكأنه ينتقم من نفسه، وهو حاضر غائب في تيه فجيعته وعيناه تفيضان دمعا أشبه بالدم ! في مشهد لا يمكن أن يؤديه بتلك البراعة إلا يحيى الفخراني، لتنسى تماما (يحيى) - كما نسيه هو - ولتمتلئ حتى الثمالة بـ (حمادة عزو) الطفل الكهل اللامبالي الذي تيتم ذات عقوق! ولا تدري وقتها أتربت على أحزانه أم تصفعه لاستهتاره مشاركا له في تأنيب ذاته؟! وكثيرا ما تنسيك براعته وأداؤه الاحترافي وموهبته الخارقة هنات العمل أو ضعف الإخراج أو لا منطقية الأحداث! وستظل أبدا تذكر مشاهد بعينها في أعماله، ليس فقط لقدرته على أداء الشخصيات المركبة والصعبة، ولكن لتمكنه من تصوير وإبراز الصراعات النفسية الداخلية، واحتدام المشاعر وتناقضاتها للشخصيات التي يجسدها، لتصبح الشخصية البسيطة مركبة وعميقة في مطبخ (الفخراني)!
ولو تابعت مسلسل ( شيخ العرب همام) هذا العام فستظل تذكر مشاهد أداها الفخراني باحترافية عالية جدا، وبقدرة بارعة على تطويع الشخصية ليسكن داخلها ويلبسها، ويتمكن من الإمساك بخيوط تجسيدها ليوصل المتلقي إلى حواف الدهشة! ستعايش أفراح الشيخ همام وأتراحه، وستجهش معه بالبكاء وهو يودع أغلى أحبابه في مشهد لا يمكن نسيانه! وستعيش معه تفاصيل صراعه مع المماليك وزعيمهم (علي بك)، ولحظات انتصاراته وانكساراته وقوته وضعفه حتى يتوج المسلسل بمشهد الختام الذي برع فيه الفخراني كعادته.
تمكن المسلسل -الذي كتبه باقتدار- عبدالرحيم كمال من تجاوز المأزق التاريخي ومن ثم الاشتغال بحرية على الحبكة الدرامية؛ بتأكيده أنه يمزج بين الواقع والخيال ، ويستلهم التاريخ ولا يلتزم به. وتأتي براعة أداء (عبدالعزيز مخيون) و (صابرين) وباقي فريق العمل لتغطي على بعض الهنات (الإخراجية).. ويكفي (شيخ العرب همام) أنه عرفنا بممثل بقدرات وبراعة (مدحت تيخة)، ليبقى المشاهد مسكونا ببراءة وصفاء وسلام الشيخ (سلاّم) الذي جسده الرائع مدحت!