الشيخ إبراهيم بن راشد الحديثي رأس محاكم منطقة عسير ردحاً من الزمن يعاونه ابنه الفاضل محمد.

والدي ـ رحمهم الله جميعا ـ من أصدقائه المقربين، وكان يصطحبني في زيارة شبه أسبوعية لمجلسه المفتوح عصر كل يوم.. يفتتحه بقراءة من أحد مريديه بعلوم الفقه والحديث، ويعلق على أي سؤال، ثم يدور بعد ذلك حديث اجتماعي شيّق لينفض السامر قبل صلاة المغرب.

اذا استحكم النزاع بين بعض القبائل وتعقّدت الأمور قيل ما لها الا (أبو عميمة) كما يطًلق على نفسه مداعباً أحياناً بظرفه المعهود.. يُنتدب لها ويستعين بالله تعالى ثم ببعض الخبراء والأعيان.. يحاول إصلاح ذات البين بالحسنى.. إذا توافقت الأطراف على حلّ حكم به ووثقه، وإذا رأى إصرارا على الخلاف استملك الأرض للدولة درءاً للفتنة وقطعاً للإشكال.. ينصرف الجميع بعد ذلك راضين مستبدلين سخائم النفوس بالمحبة والصفاء.

القضايا بداخل المحكمة.. تسير على ذات النهج بسهولة ويسر.. لا كما نشاهد الآن في بعض المحاكم من: تعقيد، وتأجيل، وتزمت، وسوء خلق، ولجوء للحصانة بجدولة مواعيد الجلسات من شهر لآخر وسنة بعد سنة، حتى يمل المراجع وتزهق روحه شاكياً أمره إلى الله سبحانه.

حجج الاستحكام في عهد (أبو عميمة) لا يستغرق إنجازها الشهر أو الشهرين، والمعاملات الحقوقية العادية قد تنتهي بصورة يومية.

نردد هنا ما قاله الأولون: (تذكر صاحبك إذا جربت غيره)، مع ذلك كان يحج سنوياً عندما صدر الأمر بعدم تكرار الحج للمواطنين والمقيمين تخفيفاً للزحام.. استثناه الأمير نايف ـ غفر الله له ـ لما يعرف عنه من صدق النية والإخلاص في عبادة الله.

أكتب هذا للذكرى الصالحة، والأسوة الحسنة لمن يريد الاقتداء بالصالحين والقربى من الرب المعبود.