المرأة المبدعة لا يمكن أن تمر في المسار الاجتماعي كحالة عابرة، أو طارئة وظرفية، تنتهي ذكراها عند نقطة في آخر سطرها الإبداعي. ذلك ليس منصفا في الفهم العام للحقائق التي تتعلق بالمرأة؛ لأن إبداعها يظل عالقا في الذاكرة والوجدان، وعصّيا على النسيان، والتاريخ يقدم لنا كثيرا من النماذج التي يمكن أن نقيس عليها أي حالة نسوية مبدعة وعبقرية، خاصة إذا ارتبط ذلك بأوليات أو أعمال ريادية حققن فيها السبق الذي يفتح المجالات لغيرهن من بنات أجيالهن أو حتى للرجال.

في المجال الإعلامي يرتكز العمل بصورة كلية على الموهبة والقدرات الذاتية والحضور الملهم، ورغم أن المرأة السعودية تمتلك أدواتها الإبداعية ومواهبها الدفينة في هذا المجال، الذي يتسع بصورة متسارعة، إلا أنها ـ ولسنوات عدة ـ ظلت بعيدة عنه، مكتفية بالمتابعة، ولذلك ظلت محجوبة عن إعلامها طوال تلك السنوات، إذ اختلف الوضع عما هو عليه في السنوات الأخيرة، التي بدأت تبرز فيها إعلاميات سعوديات، تركن بصمات جلية ومميزة في مسيرتهن، ووضع المرأة في المسار الإعلامي الذي ترغب العمل فيه من واقع أدواتها ومواهبها فيه.

وذلك وضع يمكن أن ننطلق فيه لتأسيس بداية إبداعية مع ريادة الأستاذة "مريم الغامدي" التي كان لها السبق في العمل الإعلامي والفني، والظهور الجماهيري، إذ إنها من الأوائل في ذلك، فقد كانت أول سعودية تقف على خشبة المسرح، وأول من تعمل بالتمثيل عن طريق الإذاعة التي عملت بها وهي طفلة.

من التالي؟ ربما هي أسماء متعددة كتبت البداية، ولكن في الجيل الشاب تبرز الإعلامية الغائبة الحاضرة "ريما الشامخ" كنموذج للإعلامية السعودية التي سطرت أول ظهور نوعي في الفضاء الإعلامي، بعد سنوات الخمول بالعمل التلفزيوني، فكان عملها في قناة الإخبارية إضافة مهنية مهمة للمرأة السعودية، واستطاعت إبراز نفسها كإعلامية سعودية بندّية مع الرجل السعودي، عبر سلسلة من اللقاءات والتغطيات المهمة، التي كانت حكرا على هذا الرجل، واللافت في نموذجها الإعلامي المبدع، كسرها لحاجز التفوق الرجالي في هذا العمل الذي لا يعترف إلا بالموهبة والقدرة، بما لا يدع مجالا أو هامشا إقصائيا يعيق أي سعودية عن الظهور التلفزيوني وتفريغ طاقتها الإبداعية في العمل الإعلامي.

تجربة "الشامخ" ظلت مميزة، سكبت فيها جهدا نوعيا وكميا ناجحا لم يتوقف إلا حين تعرضت في سنة 2007 لأزمة صحية عارضة غيبتها قسرا عن الشاشة، لتكون خسارة كبيرة للإعلام السعودي المرئي، وتلك واقعة تبقى في الذاكرة؛ لأنها كانت في حالة تنافسية مهنية شديدة التميز، إذ سقطت مغشيا عليها على الهواء مباشرة، أثناء إجرائها حوارا مع السفير البريطاني "شيراد كوبر كولز" الذي كان يهم بمغادرة السعودية لانتهاء فترة عمله، وذلك في برنامجها "برسم الصحافة". وهنا لا يمكن أن ننسى "الشامخ" أو برنامجها أو لحظة توقفها وهي تؤدي رسالتها المهنية على ذات الإيقاع المبدع والملهم لبنات جيلها.

نجاح الشامخ في الإعلام المرئي كان ملهما وباعثا لآمال كثير من السعوديات في النجاح والتفوق، ورغم أنها قررت ترك العمل التلفزيوني عقب تلك الحادثة، إلا أنها أبقت ذكرى لا يمكن ألا تتوقف عندها أي سعودية تعمل في الإعلام؛ لأنهن يدركن يقينا أنه لا يمكن في الإعلام المرئي أن تنجح المرأة السعودية فيه ببساطة، عطفا على كثير من القيود المجتمعية، والسطوة الذكورية، خاصة في الإعلام الرسمي، ولذلك يحسب لها في سياق تفسيري لفكرة الإلهام أن ريادتها وسبقها تم في فترة صلبة، صعب اختراقها، ولكن من خلال الإرادة والثقة في الذات فعلت ذلك.

من حق الشامخ على كل إعلامية شابة ـ وفي بداية الطريق الطويل ـ أن تبقى في الذاكرة كمبدعة وملهمة، تستحق الاستشهاد بها في مواجهة تحدياتها وصعوباتها المهنية، فنجاحها واختراقها التنافسي مع الإعلاميين الذكور، ووضع اسمها كبصمة إعلامية، عمل مثير للاهتمام ونموذجي جدا، يجعلها باقية وليست عابرة في الذاكرة، وذلك أمر عظيم يوفر شروط الاقتداء به لصعود قمة الطموح الإعلامي لأي سعودية مؤهلة لأن تكون إعلامية أو عاملة فيه، وتجد عنتا ومشقة في الظهور المستحق.