كنا نختلف عليه كثيراً.. ونختلف معه كثيراً.. اليوم نعرف قيمته جيداً.. وهذا واقع الحال، لا نعرف القيمة الفعلية للأشياء والأشخاص إلا بعد ألم الفقد..!

في ذكرى وفاة معالي الوزراء وسعادة السفراء.. الأديب غازي القصيبي الذي رحل منا جسداً، ولم يرحل عنا ذِكراً وفكراً وعملاً.. نتذكر بداية توليه لأول وزارة في حياته عندما بلغ 35 عاماً، ونتذكر ما كتبه عنها في كتاب "حياة في الإدارة": لماذا أصبحت وزيراً؟ والجواب، بكل أمانة -كما يقول- أن الظروف وضعت مجموعة من المواطنين وغازي منهم، في دائرة الضوء عندما كانت السعودية على أعتاب ثورة تنموية شاملة.

وأشار القصيبي في سيرته الإدارية إلى أن صحيفة أجنبية ذكرت وقتها –عام 1976م- أن مجلس الوزراء السعودي في تشكيلته الجديدة من أكثر مجالس الوزراء في العالم ثقافة ومن أصغرها سناً.

ورغم أن غازي القصيبي نال من المناصب الوزارية والدبلوماسية الكثير، إلا أنه كتب عن "معالي الوزير" لقب الألقاب، فقال: "أكذب على نفسي وعلى القراء إذا قلت إن قلبي لم يخفق بشيٍ يشبه النشوة.. ويكذب كل من تولى الوزارة إذا زعم أنه تولاها مكرهاً مضطراً".

وزاد أن للوزارة في كل زمان ومكان بريقا أخّاذا يندر أن يقاومه أحد.. وضرب مثالاً بأن الأديب طه حسين ذلك العملاق الخالد لم يرتح إلى منصب كما ارتاح إلى الوزارة، ولم يطرب إلى لقب كما طرب للقب "معالي الباشا" الذي ظل يحب أن يسمعه حتى آخر حياته، وكذلك العقاد العملاق الخالد الآخر الذي مات وفي نفسه شيء من الوزارة كما يقول عدد من المقربين إليه.

وعن طالبي المناصب يقول غازي القصيبي: "في بلادنا أعرف كثيراً من الرجال النابهين اللامعين يعيشون بمرارة خفية قابعة في نفوسهم؛ لأنهم لم يصلوا إلى الكرسي الساحر المسحور.. ولا أعرف شخصياً سوى حالتين في المملكة اعتذر فيهما صاحب الشأن عن قبول منصب وزاري عرضه عليه من يملك إعطاءه... أما العشرات الذي يرددون القصص المسلية عن رفضهم عرضاً وزارياً، فالأرجح أنهم رفضوا عروضاً لم تحدث إلا في أحلامهم...".

(بين قوسين)

"أيها القوم نحن متنا فهيا

نستمع ما يقول فينا الرثاء"