لم تعان أمة على وجه الأرض من الطائفية مثل ما عانت الأمة الإسلامية التي ابتليت بأشخاص لا يهنأ لهم بال حتى يختزلوا الإسلام في أشخاصهم ويخضعوه لفهمهم السقيم. ينفخون في نار الفتنة ويصبون زيت التعصب المذهبي على نار الفتنة الطائفية التي سوف يصطلي بحرها الجميع.

لا يعجبهم من الدين العظيم إلا اختلافات سياسية في عصور انقضت واندثرت. ولا يروق لهم الحديث والتباكي إلا على قصص أصبحت في ذمة التاريخ ولا يمكن التأكد من صحتها حتى لو أمكن ذلك فلا فائدة منها.

تجار الطائفية لا تحضرهم بلاغة السب والشتم إلا عندما يكون الخصوم مسلمين آخرين. يريدون أن يخالفوا ناموس الطبيعة ويسيروا بالعصر إلى الماضي ويحاكوا العصر بأدلة اندثرت ولا مجال للقبول بها في القرن الواحد والعشرين.

ذاكرتهم نسيت كل شيء جميل في التاريخ الإسلامي إلا ما دار بين علي ومعاوية وكأنهم كانوا من الحاضرين، تجار الطائفية يقدمون الأحياء قرابين لخدمة الأموات أو للتكفير عن خطيئة مضى عليها أكثر من أربعة عشر قرنا، يفترض أن تكون ماتت مع أصحابها.

تجار الطائفية لو طلبوا مرتبات عالية من إسرائيل وأنصارها لوافقت على الفور لأنهم يقومون بسياسة التفريق بين المسلمين ويستمرون في ذلك رغم علمهم أنهم يخدمون "الكيان الإسرائيلي" وينفذون أحد الخطط الاستراتيجية لليهود في التركيز على إضعاف الدول المحيطة بإسرائيل من خلال التركيز على بث الفرقة بين المسلمين، ومع ذلك تجدهم غير مبالين، يربون أولادهم من المهد إلى اللحد على الكره والشك والريبة وسوء النية وتتبع الأخطاء وتفسيرها من منظور طائفي بحت.

تجار الطائفية لو كانوا يشكلون خطرا على أنفسهم فقط لما استحقوا أن نفكر فيهم، ولكنهم يشكلون خطرا على المسلمين جميعا، والنهار لا يحتاج إلى دليل، فمن يتأمل الحروب والصراعات في الوقت الحالي يجد معظمها بين المسلمين، ويجد أسبابها طائفية في الدرجة الأولى.

هل يعقل أن يحشد بعض المسلمين كامل قواتهم وجميع مواردهم من أجل التعبئة ضد مسلمين آخرين، وهل يعقل أن تجد بيننا من يرى أن أكبر أعدائه مسلمون آخرون والسبب في ذلك أنهم لا يرون الأمور حسب ما يراه ولا يفهمونها حسب فهمه.

يوجد بيننا أشخاص مستفيدون من العزف على وتر الطائفية والسبب في ذلك أنهم لا يجيدون أمرا آخر في هذه الدنيا غير تأجيج المشاعر ودعوى نصرة الإسلام حسب فهمهم، ولو وجدوا أنفسهم في مجتمع ينبذ الطائفية فلن تتبقى لهم قضية يوهمون أتباعهم بالدفاع عنها.

ويوجد من يتاجر بالطائفية لأسباب سياسية ويوجد من يتاجر بالطائفية لأسباب شخصية يأتي فى مقدمتها الإفلاس من كل شيء، فهو لا يجيد شيئا من مهارات الحياة غير هذا النمط من الصراخ والعويل والبحث عن خصم يجعله شماعة لفشله.

من المؤسف أن تشاهد جميع الأمم مهتمة بحاضرها ومستقبلها بينما نبقى أسرى لخلافات الماضي ونقتتل ونستنزف مواردنا وندمر مستقبل الأجيال القادمة وكل طائفة على استعداد أن تبيد الطائفة الأخرى من على وجه الأرض لو وجدت إلى ذلك سبيلا.

وقديما قال الشاعر:

لا يبلغ الأعداء من جاهل

ما يبلغ الجاهل من نفسه