"خروف"، "متخرفن"، "تخرفن".. مصطلحات تقال في حق بعض الشباب والرجال للتقليل من قيمتهم والتشكيك في شخصياتهم ورجولتهم، قد تقال في حق الزوج الذي يطيع زوجته طاعة عمياء وإن كانت طلباتها تقسم ظهر البعير، قد تقال في حق الشاب الذي يفقد توازنه أمام أي فتاة عابرة، أو ذلك الذي يرى كل أنثى تمر أمامه "مزة"، فيتركها تقوده كيفما شاءت، مبتسماً بينما يقاد.

أما "المزة"، فالمفترض أن هذا المصطلح خاص بالمرأة أو الفتاة التي تتمتع بمواصفات جمالية عالية، إلا أنه في الحقيقة مصطلح يطلق في حق كثير من المتسكعات المائلات المميلات، المحترفات تصيد "الفاغرين" من الرجال. و"المزة" في المعجم العربي وصف لا خير فيه ويرتبط في الغالب بالخمر. يقول أبو نواس:

اسقني واسق يوسفا

مُزةَ الطعم قرقفا

إن العلاقة بين "المزة والخروف" ليست بالعلاقة الجديدة نظير هذا الانفتاح الذي نعيشه، إنها علاقة قديمة قِدم اهتمام المرأة بجمالها، فقد وعت المرأة وهي تهتم بجمالها لا "لتخرفن" الرجل إنما لتغيظ قريناتها، تضع مساحيق تجميل تكفي لطلاء واجهة عمارة؛ لتثير غيرة باقي النساء، ثم "تخرفن" بعض الرجال في المقابل كنتيجة لكل هذا الطلاء، أي أن عملية "الخرفنة" نتيجة وليست غاية، ولو كانت "الخرفنة" غاية لما احتاجت المرأة إلى كل هذا، لأن الخروف "سيتخرفن" بأقل مجهود وأرخص مكياج.

ها هي "كليوباترا السابعة" ملكة مصر القديمة، أول امرأة تستخدم مساحيق التجميل، فكانت النتيجة أن "يوليوس قيصر" الجنرال والقائد السياسي وأول من أطلق على نفسه لقب إمبراطور "تخرفن" أمامها، ومن يومها أعلن الحرب على كل أعدائها والمعارضين لها حتى هزمهم جميعاً، ثم أعادها إلى العرش معززة مكرمة، وفي الأخير خانته وأنجبت "قيصرون" ثم أقنعته بأنه والد هذا الطفل فاقتنع "المتخرفن".

أما في الأدب العربي، فيقول عنترة عن عبلة:

فولت حياءً ثم أرخت لثامها

وقد نثرت من خدها رطِب الورد

ها هي قد أرخت لثامها تصنعاً فتسمرت عيناه على خدها عن قناعة، فكانت النتيجة أن تقدم إلى أبيها، إلا أنه تفاجأ بأبيها يطلب منه ألف ناقة من نوّق الملك النعمان الملقبة بالعصافير مهراً لعبلة، فوافق عنترة وخاض الصعاب لإحضار المهر المطلوب، "تمرمط" بكل ما في "المرمطة" من معنى، اعترضته العواصف وتحدى السباع وغرق في رمال صحراء الربع الخالي وتعرض للأسر إلى أن نجح.

وحين تقدم بالمهر إلى والد عبلة فوجئ بالرفض القاطع! وأكثر من الرفض هو ذلك الإعلان الذي سرى في كل القبائل بأن من أراد الزواج من عبلة عليه أن يقدم رأس عنترة مهراً لها، ليدخل عنترة في "مرمطة" جديدة، ويواجه الفرسان واحداً تلو الآخر حتى تعرض للهزيمة، لينتهي به المطاف وهو يُقبِل ذا الجدار وذا الجدار. نعم عنترة فارس لا يشق له غبار، إلا أن عبلة نجحت في "خرفنته" من أجل نوّق العصافير لا أكثر.

وها هي قصة تتكرر في كل الثقافات، قصة ذلك الناسك الزاهد المعتكف في محرابه منذ أربعين عاما يتعبد ويتفكر ويتأمل، وكيف أنه في إحدى الليالي صعد إلى سطح المعبد ليتأمل في ملكوت الله فوقعت عيناه بالصدفة على "مزة" تنشر الغسيل، وكانت هذه النظرة كفيلة بإخراجه من صومعته لا ينوي إلا خطب ودها، فقابلها وصارحها بحبه، إلا أنها رفضته لأنه ليس على دينها، فارتد عن دينه بلا تردد، إلا أنها ماطلته وماطلته حتى شُوهِد هائماً بين الطرقات يقارع خمراً يذكرها ويصرخ باسمها المنقوش وشماً على كتفه وقفاه! إن هذه الحالة هي أدنى درجات "الخرفنة" وتسمى اصطلاحا بـ"الحميّرة".

فيا عزيزي "المتخرفن": إن "خرفنتك" ضمن السياق الإنساني العام، فلا تجزع، اقرأ الأحداث من الماضي البعيد حتى الحاضر ستجدها تعج بقصص "المزز والخرفان" وكثير من عمليات "الخرفنة"، بل ستتفاجأ بأن "الخرفنة" كثيراً ما أثرت التاريخ وكم غيرت في مجراه، أي أنك لست استثناء فلا تجزع.

ثم أعد قراءة هذا المقال وحين تنتهي ردد: "الحمد لله على أنها جات على بطاقات الشحن"، وأحمد الله أنك لا تملك أكثر من قيمة تلك البطاقات؛ لأن هنالك من هو أسوأ منك وهو "المتخرفن" من أصحاب الملايين، فتراه يسافر شرقاً ويسافر غرباً بحثاً عن "مزز" يقدنه كما تقاد الخِراف، وأي فتاة ملهى مبتدئة تسحبه كما تشاء وتسحب منه ما تشاء، وليس هنالك مقابل يناله مثل هذا "المتخرفن"، فالملايين تستنزف السنين، والسنون تستنزف الصحة، حينها يكون المقابل الوحيد الذي يناله المتصابي المليونير مجرد أحاديث ودردشة.

في الختام: تبقى "الخرفنة" حرفة قديمة تتجدد مع كل جيل، فللجيل السابق "خرفنته" التي تختلف عن "خرفنة" الجيل الحالي، و"خرفنة" الجيل القادم حتماً ستختلف، كذلك هي حرفة تختلف من مجتمع لآخر ومن مهنة لأخرى، وقانا الله شر "الخرفنة والمُمزمزات" من النساء.