الزملاء الذين انتقدوا غياب المسرح عن فعاليات العيد في "جدة" يذرُّون مزيداً من الملح على الجرح! منذ عامٍ لم تعد جدة "بنت الجيران الأولى"، ولا "عروس البحر الأحمر"! لقد أزال "السيل" الأصباغ والمساحيق، ووضعها أمام المرآة، لتكتشف فجأة أنها شاخت، وأن زمانها قضى منها وطراً، ومضى يفتّش عن الصبايا مسياراً، ومسفاراً، ومثقافاً، ونهارياً، و"معياداً": أي للعيد فقط، وحقوق الاكتشاف محفوظة "للطابع بأمر الله"!

فلنسلِّم ـ إذن ـ بالصدمة الثقيلة، ونحاول إنقاذ أعياد "الرياض" من المصير ذاته؛ حين تُسيِّح شمسُها المساحيقَ والأصباغَ، التي وفرتها "أمانة البهجة"، على مدى تسعة أعوام دأباً: فهناك خمس عشرة مسرحية ـ بالمعدل ـ تعرض أيام العيد الثلاثة، ثم يعاد "بعضها" في شهور لاحقة من السنة! وتلك عروض شعبية وفلكلورية من مختلف مناطق المملكة، ومن مختلف الدول الشقيقة والصديقة! وعروض "سيركية"، و"سينمائية"، و"جمبازية"، تنشر الفرح في كل مكان!

وقد ظهر سريعاً مفعول تلك المساحيق، والأصباغ، و"المقويات" في تنشيط غريزة "الفرح" التي تعطلت فينا على مدى ثلاثة أجيال! وبدا واضحاً إصرار "الأمانة" على نشر ثقافة "البهجة"؛ برغم مالاقته وتلاقيه من عراقيل تتفنّن "ثقافة الموت" في وضعها، وتستميت في فرضها على الناس! ونجحت الأمانة في تحقيق هدفها إلى حدٍّ بعيد، لكن "متعهِّدي" الفعاليات، و"مقاولي" المسرحيات جنحوا به إلى الاتجاه المعاكس تماماً، وانطلقوا من ثقافة الربح المادي العربية العريقة القائمة على مبدأ: "اقحش" أكبر ما تستطيع بتقديم "أرخص" ما يمكن! وفرَّغوا البهجة من محتواها، ومسخوا "العيد" في قوالب شكلية لا روح فيها، فمثلاً: تعطي الأمانة مبلغاً أكبر حسب وجود نجم أو أكثر في المسرحية المقدمة؛ بغية تحفيز المتعهدين على استقطاب أكثر الأسماء الفنية جماهيرية؛ لأنها تهدف إلى إسعاد أكبر قدر من الناس! فصار "المقاولون" ـ وهم مسرحيون عريقون ـ يستضيفون نجماً أفل في بلاده ـ أو كاد ـ ليلةً أو اثنتين قبل بداية العرض، ويقحمونه في العرض دون وجود دورٍ رئيسي له، وكأن الأمانة دفعت لمجرد ظهوره أمام الناس مستخفاً دمه بـ"إفِّيهاتٍ" سمجة أكل الدهر عليها وشرب، وغسل يديه، و"ضف" السفرة! فلما انتبهت لذلك، وحددت "الأسعار" بشكلٍ لا يملأ "الجيوب": رفض كثير من "النجوم" المشاركة في عروض العيد، وقلَّ ـ بالتالي ـ إقبال الناس عليها!

والحل الذي نقترحه على "أمين البهجة" الأمير/"عبدالعزيز العياف" هو تكريس الرقابة "الشعبية" على العروض، بأن تدعم الأمانة الفرق المسرحية، المعتمدة من "جمس" المسرحيين السعوديين، لمدة عامٍ كامل، بتكلفة الإنتاج فقط، وتسمح لها ببيع التذاكر وتقديم العروض على مدار العام، وعلى الحول ستعرف الأمانة الفِرَقَ الجديرة باستمرار دعمها، من تلك التي رفضتها "الجماهير" مبكراً!