مدهشا كان توقع "تيم كاهيل" مهاجم أستراليـا للكرة المرسـلة من منتصف الملعب، سددها قبل أن تلمس الأرض في مبـاراة هولندا، ضربـت الكرة العارضة وارتدت للأرض، ضربت وارتدت للشباك بسـرعة عامودية، دوخت حارس المرمى الذي كان لحظتها يكمل وصول جسده العدمي لعشب الملعب محاولا بفشل رد القذيفة الجلدية الدقيقة، كانـت لحظـة رائعة فيهـا من الخيال أكثر مما فيها من التقنية، مشهد سينمائي شـديد التكامل ومستوفي الشروط والتفاصيل، الخيال الذي هو منجم الفن وساقية الإبداعات، التقنية التي هي محصلة العلم والتجارب، الخيال المغامرة، والتقنية الحقيقية وما بينهما جاء الشعر وكرة القدم، ومضة "خايمس رودريجيز" الشعرية اشتعلت حين انزلقت الكرة من صدره نازلة على قدمـه فغرفها بقوة كقصيدة فيها من الإدهاش ضعف ما فيها من الفتنة قابضا عليها كصورة فريدة شردت من حجز المخيلة!.

يتحول كأس العالم لمهرجان كوني لفنون الحركة وشعرية التمرير في فراغات الفرق وهوس الجماهير التي تصدح بأناشيدهـا وشتائمهـا وزركشاتها، الكرة في الشباك هي جلجلة الأجراس وترانيم النهاية القصيرة بين نص وآخر، بين مباراة وأخرى، بين شاعر لاعب وآخر فيما الكرة الأرضية تتفرج على هذا الهوس الجنوني الجميل وترخي مسامعها لصوت كوني يتوحد عابرا اللغات والأجناس والقارات البعيدة، يتحول هذا الهاجس اللذيذ إلى حـال إنسانـي مشتـرك تماما كالشعر فيـه من المراوغات والصـدق والفروسية، وفيه من الخفة والرشاقة والبسالة كما فعل حارس المكسيك في كل منازلاته، كرة القدم كما الشعر تحتاج لجنونك وموهبتك وفروسيتك، إيمانك بقدرتك على مواجهة الكون منفردا وإبهاره، الشاعر واللاعب ينتظران من كل الناس النظر إليهما بما هو مختلف وتفصيلي، والتسمر انتظارا لما يمكن أن يظهره كلاهما من قبعته السحرية التي يخبئها أحيانا بقدمه وأحيانا برأسه، بحرفه و"حرفنته".