لا يخفى على أي مواطن القصور والضعف الشديد الذي تعاني منه مدارسنا الحكومية، والتضحية التي يقوم بها أولياء الأمور عند الاختيار بين المدارس العربية وتلك الأجنبية في القطاع الأهلي. هذا القصور هو في الحقيقة عبارة عن فرص استثمارية كبيرة لكل من يريد الخوض في مجال التعليم.
فمهما تنوعت الأفكار، لن تتم تغطية الاحتياج والنقص بشكل كلي، أي أن الطلب على الخدمات المطروحة لن ينتهي بل سيواجه ضغطا لتقديم المزيد لزيادة عدد المدارس والطلاب بشكل سنوي. أيضا، الشح الذي نعاني منه في ريادة الأعمال المحلية في مجال التعليم يعني انعدام التنافسية، فمهما كانت فكرة المشروع التعليمي الذي تود طرحه، فإن احتمال وجود منافس آخر للفكرة نفسها يكاد ينعدم خصوصا إذا تم تقديمها باللغة العربية. بالرغم من وجود كل هذه الفرص والحاجة لرواد الأعمال لضخ أفكارهم وإبداعاتهم، إلا أنه يتم التعامل مع القطاع باستحياء وتردد شديد، فلماذا؟
عند استثناء كافة الصعوبات التي تواجه أي رائد أعمال في السعودية، نرى أن قطاع التعليم ينفرد بعقبات أخرى تميزه عن باقي المجالات، من أهمها عدم توفر الكادر البشري المؤهل. مثلا، عند بناء مدرسة جديدة، فإنه يسهل تصميمها بشكل فخم وجذاب، قد يتم أيضا استيراد مناهج أجنبية متميزة والتعاقد مع خبراء أجانب لتأسيس المدرسة، لكن كافة المدارس بلا استثناء تواجه الأمرين لإيجاد الكادر المؤهل لتطبيق المناهج وتحقيق رؤية المدرسة التي تصاغ بكل تميز واحترافية. يعاني القطاع الأهلي في التعليم من ضعف في المؤهلات المتوفرة مما يحد دوما من تنوع الخدمات مع التقيد بسقف منخفض نوعا ما من الجودة عند مقارنة المدارس الأهلية بالأجنبية.
انعدام الكادر لا يعني عدم توفره فقط، بل في المؤهلات التي يحملها لتطبيق المعايير العالمية التي تضعها المدارس الأهلية لنفسها. عند النظر لأرقام الخريجين من المعلمين والمعلمات، ففي أغلب المواد الدراسية، لا يوجد شح في وجود الأشخاص بذاتهم، لكن في المؤهلات والمهارات التي يتم تقديمها. ولا يقتصر توفر الكادر لتشغيل المدارس على وظائف المعلمين والمعلمات، بل على كافة التخصصات الأخرى التي تكاد لا توجد مثل تقنية التعليم، التخصصات المتعددة تحت مظلة التربية الخاصة، الإدارة والقيادة المدرسية، والتربية البدنية.
خضوع المدارس الأهلية للسعودة أيضا يشكل عائقا آخر في توفير المؤهلات المطلوبة والاستعانة بغير السعوديين لسد الثغرات. تواجه المدارس كافة هذه المشاكل بالتدريب والتطوير المهني المتواصل، لكن مما يزيد من الدراما التي عادة نراها في الأفلام فقط، استقالة عدد كبير من الموظفين السعوديين للالتحاق بالوظيفة الحكومية بعد التدريب وصرف الأموال لخلق المؤهلات المطلوبة في تلك المدارس. يتم ذلك رغما عنك وبغض النظر عن أي إغراءات أو حوافز قد تقوم بتقديمها. تواضع مستوى الحماية الذي تقدمه الدولة وديوان الخدمة المدنية للمدارس الأهلية يثير استياء ملاك المدارس ولا يدعوهم سوى لتوديع وفود من المعلمين واستقبال أخرى جديدة في نهاية ومطلع كل عام.
قد لا يستطيع كثيرون أصلا الاستثمار في بناء مدارس جديدة لكلفتها العالية و"الصداع" الذي تسببه لتشغيلها، لكن يوجد عدد من المجالات التي تشكل فرصا لمشاريع صغيرة لا تزال متاحة لرواد الأعمال الشباب والتي تعنى بالرفع من مستوى التجارب والخبرات التي يخرج بها طالب المدرسة. من أبرز المبادرات التي تم طرحها (منهج النبتة) التعليمي وكافة الأنشطة التي تقوم بها شركة النبتة لزيادة الوعي البيئي لدى الطلاب. برنامج (ريالي) الذي تقدمه شركة "سدكو" للوعي المالي من خلال عدد من التمارين والمشاريع التطبيقية. تشتمل الساحة على بعض الأمثلة الأخرى التي تمثل مبادرات ريادية شبابية مبدعة في مجال التقنية والألعاب التعليمية الهادفة والمميزة.
للأسف، يؤثر ضعف الكادر أيضا على هذه المشاريع الصغيرة، ففي حال الرغبة بتقديم منهج متميز، أو تقديم أي خدمات داعمة للطلاب، فإن عدم وجود مختصين محليين يشكل صعوبة في تحقيق ذلك. قد يؤدي هذا النقص إلى التنازل قليلا عن مستوى الجودة العالمية أو القيام بالخيار المكلف، وهو الاستعانة بخبراء أجانب لتغطية الجانب التقني من العمل. أيضا، هيكل المدارس السعودية حاليا لا يشكل منصة داعمة لأي أفكار جديدة، فيندر وجود مختص في التقنية التعليمية ضمن العاملين في المدرسة لدعم دمج أي مبادرات تقنية في ثقافة المدرسة. لا يوجد أيضا مشرف ومنسق للمناهج، حيث إنه تم الاعتياد على اتباع المناهج الحكومية واقتصار دور المعلم على التنفيذ فقط. لهذا، أي منهج جديد يطالب المعلم بالإبداع في طرحه يتم تطبيقه مجملا بشكل تقليدي تماما كما يتم تطبيق المناهج الوزارية. عدم وجود منسق ومشرف على المناهج (كما هو معتاد في المدارس العالمية)، يؤدي أيضا لعدم تأهيل ثقافة المدرسة لاستيعاب واستدامة الفكر الجديد الذي يطمح أي منهج خارجي لتحقيقه.
تشتمل قائمة التحديات التي تواجه المستثمر في مجال التعليم على عدد من القضايا الأخرى مثل مركزية الوزارة وتدخلها في عدد من التفاصيل التشغيلية، صعوبة الحصول على التصاريح والتراخيص المعنية لدخول المدارس الحكومية، وعدم وجود دراسات وأرقام واضحة تقوم بتقديمها مراكز أبحاث مستقلة ومؤسسات التعليم العالي. لا يقصد من المقالة تثبيط العزائم أبدا، بل دفع القارئ للنظر بموضوعية وتحليل الفرص قبل الخوض بها. مع التذكر أنه بالرغم من كافة هذه الصعوبات المتوقعة، فلا يزال قطاع التعليم من أجمل وأبرز القطاعات التي قد تدعونا للاستثمار بها، وذلك لسبب واحد فقط وهو القدرة على إحداث فرق إيجابي كبير في مهارات وفكر أبنائنا وبناء الجيل الذي نود أن نراه مستقبلا والذي طال انتظاره.