أكثر شيء جعلنا نحن العرب والمسلمين نتوقف ولا نبرح مكاننا هو العيش في عصر ما قبل الحاضر وتقديس الماضي بحجة ما ندعي أنه تاريخنا مع أنه تاريخهم، أعني هنا أنه تاريخ من مضوا فكل إنجاز أو إعجاز أو عبقرية مضت فهي من فضائل أولئك الذين قضوا والذين كانوا أي الذين صاروا ماضياً وتاريخاً يروى أو أسطورة تُمّجد.

حسناً فقد صنع القبليون والذين رحلوا بعد أن دخلوا فهارس التاريخ مكاناً لهم، فكان حقاً لهم الإشادة والتمجيد، فلماذا نتكئ وننام فقط على وقع إنجازاتهم؟.

فعلوا وقدموا وصنعوا وأنجزوا ثم بعد ذلك مضوا وهكذا، فعلينا أن نحذوا حذوهم نقدم وننجز مثل ما قدموا وأنجزوا حتى نترك لمن بعدنا الأمثولة.

إن أكبر مشاكل الإنسان العربي تحديداً هو النوم على خدر "أفيون التاريخ" والتعلق بالماضي والعيش على أطلال إنجازاتهم وعبقريتهم وإبداعاتهم.

لقد غدا واضحاً أن شباب العالم العربي والإسلامي وفق حقنهم بالتاريخ وتبعاً للتعبئة التي يتلقونها وتمجيد السابقين قد أصبح كثير منهم زاهداً في الحاضر ومتطلعاً ومؤملاً إلى إعادة عهد الصحابة وعهد الخلافة بكل المثاليات والنزاهات والقصص الأسطورية، التي تنسجها وترويها كتب التاريخ رغم كل ما فيها من مبالغة، وكل ما في بعضها من كذب وتدليس بل واستهداف وتعريض بكثير من رموز وخلفاء تلك المراحل.

إن علينا أن نخبر أبناءنا أن هناك كثيرا من المؤرخين الذين سجلوا أحداث الماضي ورصدوها وفق السماع وليس وفق المعايشة تبعاً للبعد الزمني والفارق الشاسع بين عصر المؤرخ والعصر الذي يتحدث عنه، ثم علينا أن نقول لأبناء هذا الزمن بكل صراحة وشفافية إن الذين دونوا حوادث التاريخ لم يكونوا مطلقاً حياديين وإنهم قد كتبوه في دواوين السلاطين وفق ما يطلبونه، وتبعاً لميولاتهم العرقية والمذهبية، ولكي يعلموا أن التاريخ يكتبه الأقوى والمنتصر بحسب هواه.

علينا أن نقول لهم بكل وضوح إن كتب التاريخ التي نقرأها الآن هي بمثابة صحف وإعلام ذلك الزمان، وأن نؤكد لهم أنه لا يوجد إعلام محايد، وكل إعلام مهما تنزه فإنه منحاز.

علينا لكي نبدأ من نقطة الصفر أن نحرق كل كتب التاريخ، وأن نبقي فقط على القرآن الكريم، والثابت الصحيح من سنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وأن نعتق عقولنا من كل هذه المرويات الموضوعة وكل الإسرائيليات وكل الانحيازات المذهبية.

لا بد أن نصفي ونعقم ونبيض التاريخ لكي نتجه بأبصارنا إلى الحاضر فقط، وحينها لن يكون هناك مكان لمتطرف أو خارجي ولن يهيم بعض شبابنا مع من هم مثل بن لادن، والظواهري، والزرقاوي، والبغدادي، وهم الذين جاؤوا إلى عصرنا من الزمن الغابر، فلا يكاد الغبار العالق في عقولهم يسمح لنا بأن نراهم بوضوح.