كان سقوط مدينة عمران الأسبوع الماضي بيد الحوثيين مؤشراً واضحاً إلى ما آلت إليه الأمور في اليمن الشقيق، يتطلب اتخاذ خطوات حاسمة لتعزيز قدرة الدولة على فرض سلطة القانون في جميع أنحاء اليمن، وتعزيز الأمن والاستقرار في ربوعه.

ففي يوم الثلاثاء (10 رمضان)، اقتحمت قوات الحوثيين المدينة بعد أسابيع من الحصار، واستولت على المؤسسات الحكومية والعسكرية التابعة للدولة، بما في ذلك اللواء المدرع 310، الذي احتُجِز قائده المخضرم حميد القشيبي، ووردت أنباء لاحقاً عن إعدامه.

وتسبب الغزو في وقوع عدد كبير من الضحايا، بما في ذلك نحو مئتي قتيل، أغلبهم مدنيون من النساء والأطفال، قضوا خلال الأيام الخمسة التي سبقت سقوط المدينة، حسب معلومات مركز الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي أوضح أيضاً أن الاقتتال في محافظة عمران تسبب في انهيار نظم تقديم المساعدات، حيث تأثر أكثر من (500) ألف شخص من سكان المحافظة بالصراع، منهم (85) ألفاً في مدينة عمران فقط.

ويشكل الاستيلاء على عمران، الواقعة على بعد (50) كيلومتراً فقط شمال غرب العاصمة صنعاء، خرقاً خطيراً للاتفاق الذي تم في إطار مؤتمر الحوار الوطني بالالتزام بمخرجاته وعدم استخدام العنف.

ويخشى البعض أن يكون هدف الحوثيين التالي هو صنعاء. وقد يكون هذا هدفاً بعيد المدى، ولكن السيطرة على المنطقة المحيطة بالعاصمة، بما في ذلك مطار صنعاء الدولي، كافية في حد ذاتها لتغيير الحسابات الأمنية والسياسية لجميع الأطراف، وهو ما نلاحظه في التردد في استخدام القوة لوقف زحفهم المتسارع.

وقد تحرك المجتمع الدولي سريعاً للتعبير عن قلقه من هذه التطورات. ففي يوم الجمعة (13 رمضان)، أصدر مجلس الأمن بياناً صحفياً عبر فيه عن "قلقه العميق بشأن تدهور الوضع الأمني في اليمن في ضوء القتال الدائر في عمران".

وفي تطور مهم، طالب المجلس "الحوثيين وجميع المجموعات والأطراف المسلحة الأخرى الضالعة في القتال بالانسحاب ومغادرة عمران، وتسليم الأسلحة والذخائر التي استولوا عليها إلى السلطات التابعة للحكومة المركزية". كما طالب بنزع سلاح تلك المجموعات، وهو طلب صعب التحقيق طبعاً.

وإلى حد كبير، يعود نجاح الحوثيين في عمران والمناطق الأخرى إلى قدرتهم على الاستفادة من الولاءات المتنازعة لفرق الجيش النظامي. فعلى الرغم من الخطوات الشجاعة التي اتخذتها الحكومة الانتقالية لإعادة هيكلة القوات المسلحة وقياداتها، هناك اعتقاد سائد بأن بعض الوحدات لا تلتزم بنفس الدرجة من الولاء للسلطة المركزية.

ولهذا وجدنا مجلس الأمن في بيانه يوم الجمعة يُذكّر "الوحدات العسكرية" بضرورة "الالتزام بخدمة الدولة"، وهو ما يجب أن يكون من المسلّمات. وأشار البيان إلى مشكلة أخرى لا تقل خطورة، هي مشكلة "المخربين الذين استمروا في إذكاء الصراع في الشمال في محاولة لوقف العملية السياسية الانتقالية".

ولعلكم تتذكرون أن مجلس الأمن قد سعى في فبراير 2014 لوضع حد لهؤلاء المخربين، حين تبنّى قراره (2140)، تحت الفصل السابع من الميثاق، وفرض للمرة الأولى عقوبات على "الأفراد والمؤسسات التي تقوم بأفعال تهدد سلامة اليمن وأمنه واستقراره، أو تدعم من يقوم بتلك الأفعال".

وبمقتضى القرار (2140) تم تشكيل لجنة وفريق من الخبراء لمتابعة تنفيذه، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات ضد "المخربين".

ومع الأسف، فإن بيان المجلس يوم الجمعة يُظهر أن جهوده السابقة قد فشلت في وقف محاولات أولئك المخربين لفرض إرادتهم على اليمن بالقوة. ولمعالجة ذلك الفشل، حث المجلس في بيانه "فريق الخبراء على سرعة إنجاز مهامه، خاصة فيما يتعلق بأولئك المخربين، وأن يقدم سريعاً توصياته بهذا الشأن إلى اللجنة التي تم تشكيلها بموجب القرار".

ويعجز معظم اليمنيين عن فهم أسرار فشل المجتمع الدولي في بلادهم. فبالمقارنة بالصراعات الدائرة في الدول المجاورة، تبدو مشكلة اليمن أقلها تعقيداً. فخلافاً لما يجري في فلسطين، وسورية، والعراق، وحتى ليبيا، هناك توافق وطني وإقليمي ودولي على الخطوات اللازم اتخاذها في اليمن.

فعلى المستوى الداخلي، توصّل مؤتمر الحوار الوطني إلى توافق متعدد الأطراف على القضايا الرئيسية، بما في ذلك مسألة إعداد الدستور ونظام الحكم والانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وكان الحوثيون أحد أطراف ذلك التوافق.

وعلى المستوى الإقليمي، تمثل المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية توافقاً على الخطوات المطلوب اتخاذها لاستعادة الاستقرار والسلام والأمن في اليمن.

أما على المستوى الدولي، فقد أصدرت الأمم المتحدة عدة قرارات لتنفيذ المبادرة الخليجية، وتشكل في مجملها توافقاً دولياً قوياً، لا نجد أي شيء يشابهه في مقاربة الصراعات الأخرى في المنطقة. وكما لاحظنا فإن بعض تلك القرارات صدرت تحت الفصل السابع من الميثاق، مما يعني استعداد المجتمع الدولي لاستخدام القوة لتنفيذ قراراته إذا لزم الأمر.

وفوق ذلك، عمل المجتمع الدولي مع اليمن لوضع خطوة اقتصادية انتقالية طموحة للفترة (2012-2014)، لتوفير الأدوات اللازمة لمعالجة الأزمة المالية واستعادة وتيرة النشاط الاقتصادي. ونُظم لهذا الغرض مؤتمران دوليان في سبتمبر 2012، في الرياض ونيويورك، لحشد الموارد المالية اللازمة، تم فيهما التعهد بأكثر من ثمانية مليارات دولار، معظمها من دول مجلس التعاون، وذلك بالإضافة إلى مساعدات إضافية طارئة بالمليارات خلال السنتين الماضيتين.

وعلى المستوى الأمني، تساعد عدة دول اليمن على بسط سلطة الدولة في جميع أنحاء البلاد.

وفي ضوء هذه المعطيات، فإن من المنطقي أن نطرح السؤال: في ضوء هذا التوافق الوطني والإقليمي والدولي، ومع كل المساعدات وحسن النية التي تبديها الدول الكبرى ومعظم دول الجوار، كيف تستطيع مجموعة صغيرة من المقاتلين أن تستولي على عمران، ومناطق أخرى في اليمن، وتفرض سلطتها فوق سلطة الدولة، وتسعى لتطويق العاصمة اليمنية ومطارها؟ من هم هؤلاء "المخربون" الذين أدانهم مجلس الأمن، وكلف لجنة دولية لوضع الآليات اللازمة لفرض العقوبات عليهم؟ وكيف استطاعوا إحباط كل هذه الجهود الدولية والإقليمية والوطنية؟