شكل خبر مقتل طبيب سعودي شاب هو الدكتور العنزي ضمن صفوف داعش صدمة لكثيرين، في عملية انتحارية تجرد فيها من ضميره كطبيب وذهب ضحيتها ما يقارب 30 قتيلا وجريحا، فيما هناك رواية أخرى بأنه قتل في قصف استهدف داعش وكان موجودا لعلاج قادة داعش المجرمين ممن ينحرون الأبرياء ويصلبون الأطفال، وأيا كانت الرواية الصحيحة، ففي كليهما تخبرنا أنه ترك مهنته ووطنه وقرر الانتماء إلى داعش واعتقاده بالجهاد على الطريقة الإرهابية.

هؤلاء المستغربون يتناسون أن في عمليات سابقة تم القبض على بعض الإرهابيين ممن يتمتعون بشهادات تعليمية عليا ومتخصصة، هناك المهندس وأستاذ الجامعة والمعلم وآخرون ممن يتمتعون بوظائف ومستويات معيشية فارهة، هذا يُثبت أن الجهلة والعاطلين وأصحاب الشهادات الدنيا ليسوا هم فقط حطب هذا التنظيم الإرهابي، وإن كانوا الكثرة المستهدفة، خاصة المراهقين، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا: لماذا طبيب كالعنزي أو ربما آخر مهندسا أو معلما ينزلق إلى هكذا تفكير إجرامي ويستسيغ قتل الأبرياء بحجة التكفير!؟ كيف يتم غسل أدمغة هؤلاء رغم تعليمهم الذي يفترض أنه قد أدى إلى رفع مستوى الوعي ومكنهم من القدرة على الفرز بين الصواب والخطأ!! وهل هناك خطأ أفدح من استساغة الإنسان لفكرة قتل بريء آمن لم يؤذه سوى مخالفته في الدين أو المذهب!؟ ما الذي يجعل هذا الطبيب يتنازل عن إنسانيته ليكون مجرما!؟ هل هو الشعور النفسي بالغضب أو الانتقام أو الفراغ العاطفي الذي لم يجد إلا حماسا دينيا إرهابيا يملؤه به!؟ أسئلة عديدة نحتاج إجاباتها لتساعدنا على استئصال هكذا تفكير سرطاني، ومن الضروري دراسة حالتهم بعمق والتوغل إلى سيرتهم الحياتية والتعليمية والجامعية لمعرفة الجذور المريضة التي أودت بهم لأن يكونوا حطبا إرهابيا!

وما حصل يؤكد أنه لا أحد محمي من هكذا تفكير، دون شك البيئة المحفزة على ثقافة الموت التي تربينا ونشأنا عليها خلال فترة الغفوة التي أسموها صحوة كان لها تأثير في كمون هكذا تفكير يخلق الاستعداد النفسي لذلك، لكن هناك من ينتمي لمجتمعات منفتحة مثل الأوروبيين المسلمين غيرهم ونراهم اليوم ضمن هذه التنظيمات، إنهم لم يدرسوا مناهجنا ولم ينشئوا ضمن أيديولوجية مجتمعنا فترة الصحوة، لكنهم قلة لا تقارن بالسعوديين المنخرطين ضمن هذه المنظمات الإرهابية، وحدوث ذلك يوضح أن هناك سببا آخر يجعل هؤلاء فريسة سهلة للإرهاب وقد يكون الفراغ العاطفي النفسي، مما يستغله مروجو التفكير الإرهابي في غسل أدمغة هؤلاء، وملئهم بما يستغل إحباطهم، فحين تسوء الصحة النفسية للفرد، لا يمانع أبدا بأن يزج بنفسه في قنبلة ناسفة وينتحر معلنا انتقامه من محيطه في جسد الأبرياء!

ما أود الإشارة إليه هنا، أننا بحاجة إلى دراسة عميقة أكثر لمعرفة الجذور الفاسدة التي تساعد على تجنيد هؤلاء، لا شك أن ذلك دليل على أن التعليم لدينا عاجز عن تقديم الوعي، وهذا يعني الحاجة الضرورية لإعادة النظر في رفع مستوى الوعي، لكن الوعي ليس مسؤولية التعليم فقط، بل يشترك في صياغته كل المؤسسات المجتمعية، وبالتالي نحتاج إلى تجديد المنظومة الفكرية الأخلاقية في كافة المؤسسات دينيا وتعليميا وصحيا وإعلاميا، فهل نحن جادون لتحقيق ذلك أم لا!؟