غزة، هذه المنطقة الصغيرة التي يُسجن فيها المئات من إخواننا الفلسطينيين، فمنذ ما بعد اتفاقية أوسلو التي تمنح الفلسطينيين ما نسبته (13%) من مساحة الأرض، والتي تسيطر عليها "حماس" منذ الخلاف الذي حدث بينها وبين منظمة التحريـر الفلسطينيـة "فتح"، الأمر الذي أدى إلى الانقسام العام والتباين في المواقف على كل الأصعدة، وسمته "حماس" حينها وما زالت خروجاً على الاتفاقيات والدستور الفلسطيـني، وحماس التي تقود غزة إلى اليـوم، لم تحسن حقيقةً بتهورها أكثر من جر الحال الفلسطيني إلى الخلف، أقول ذلك وأنا أتابع بألم ما يتعرض له إخوتنا الفلسطينيون على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية، من قصف ونيران بلغت حدوداً خارج أية منطق، كرد فعل على عملية اختطاف ثلاثة من الإسرائيليين وقتلهـم، وهـي عملية أقل ما تصف به كتائب حماس هو الحماقة والغباء، لاختلال ميزان القوى بكل المقاييس، والغريب أن يروج بعض الكتاب الفلسطينيين والمحسوبين عليهم - الذين يكتبون من لندن وينظـرون من باريـس ويجعجعون من موسكو - أو المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، ما يغالط الحقائق على أرض الواقع، مضخمين فاعلية صواريخ المقاومة البسيطة أمام الآلة الإسرائيلية العسكرية الكبيرة، ويصورون للبسطاء أنهم قد أعملوا في العدو ما أعملوا..! بينما يتحمل الإنسان الفلسطيني عبء كل التزييف والمراهنات المشوشة منذ أكثر مـن ستين عاماً، فاتقوا الله في الإنسان الفلسطيني أيها الكتبة المزايدون بدماء إخواننا.
بالأمس طرح صديقنا "الأدميرال" والقاص عمرو العامري، رأياً جريئاً جداً حول ما يحدث في غزة فكتب على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أعرف أن هذا الطرح سيغضب الكثيرين، الفلسطينيون أدمنوا على الدوام دور الضحية، فما هو المغزى النضالي مثلا في مثل هذا التوقيت أن يقوم الفلسطينيون بخطف ثلاثة مراهقين وقتلهم؟.
ما الذي كانوا يتوقعون من إسرائيل؟ وهل يظنون أن تجيش العرب الجيوش لحرب إسرائيل؟ وهل هذه الصواريخ التي أشبه "بالطراطيع" ستحرر فلسطين؟
القضية الفلسطينية طوال عمرها مخذولـة من قبل قادتها الذين يتاجرون بدماء أطفالها، وإسرائيل تدمر والعالم يبنـي.
حماس وامتداداتها في سيناء لا تختلف كثيرا عن كل الجماعات الجهادية، الفلسطينيون لم يكونوا صادقين وجادين في تحرير فلسطين، فقط انتظار هبات الآخرين". وأكمل في أحد ردوده فقال: "ماذا نريد نحن من اليهود؟ هل نريد حقا طردهم؟ أظن هذا الآن ضد العقل والمنطق، وكل الذين يقولون ذلك يعرفون أنهم يكذبون، إسرائيل دولة باقية يحترمها العالم كله أكثر من جيرانها العرب.
بقي أن يساوم الفلسطينيون على شروط أفضل، فهذا كل ما يستطيعون ولكن ليس بهذه الطريقة، ففي عام (2009) تم خطف جندي واحد "شاليط"، وكانت ردة فعل إسرائيل تدمير غزة، ولم تستفد القضية شيئا، الآن تكرر العملية بشكل أكثر حماقة والنتيجة ما نراه، وكون أن فلسطين مغتصبة، أو سرقت، كل هذا لن نختلف عليه، لكن الحياة حقائق ونحن العرب نفضل الأوهام والأساطير وتسويق الشعارات، الإسرائيليون يقولون للعالم تركنا لكم غزة بالكامل، فلمَ تقصفون مستوطناتنا؟
ويقولون أيضا؛ لقد صنعنا في هذه الأرض دولة تحترم الإنسان ويحترمها العالم، فماذا صنعتم أنتم يا عرب بكل هذه الأرض التي بين أيديكم؟
أنا حقا لا أعرف ماذا يريد الفلسطينيون؟" انتهى كلام صديقنا عسكري البحرية المتقاعد.
وسواء اتفقنا أو اختلفنا في الرأي مع "الأدميرال"، فإن واقع ردة الفعل الإسرائيلية العنيفة مبالغ فيها جداً، ويكاد يكون الأمر مفتعلاً أو تم الترتيب له مسبقاً، إذ من غير المنطقي أن نسحب جرم بعض الأفراد على كل الشعب الفلسطيني، ونحمله جرم وجريرة ما حدث، وكان من المفترض أن تحـل مثل هذه القضايا، ضمن اتفاقيات الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية دبلوماسيـاً، كما يحدث في كل بقاع الأرض، بدلاً من "البلطجة" والقبح الذي تمارسه وتجيده الحكومات الإسرائيلية، وعلى العالم أن يفيق ليوقف آلة القتل البشعة التي تطلق عنانها الحكومة الإسرائيلية الغاشمة، فكلنا نعلم من هو نتنياهو ومدى كرهه للفلسطينيين والعرب، وتاريخه الملطخ بالـدم العربي الفلسطيني، ولأن المزيد من الدماء يعني المزيد من التاريخ الأسود للعالم العربي والإسلامي أولاً والعالم والإنسانية والحقوق والحريات بكلياتها، فالله الله بأهلنا في غزة يا مسلمون، الله بإخواننا في غزة يا عرب.