لعل من أهم العناصر التي يمكن من خلالها القضاء على البطالة في بلادنا "إصلاح التعليم الجامعي". الكثير من أفراد المجتمع يخطئ عندما يتصور أنه متى ما توافرت للجامعات الإمكانات المالية والبشرية فإن النتيجة الحتمية لتوافر هذه الإمكانات "إصلاح التعليم الجامعي". في نظري، أنه لكي ينهض التعليم الجامعي فلا بد من توافر العديد من المعطيات على أرض الواقع لتشكل القوة الدافعة التي يمكن أن تسهم مع الإمكانات المالية والبشرية في عملية الإصلاح.

وبالرغم من قيام الجامعات السعودية ببعض الخطوات الإيجابية لتهيئة الخريج الجامعي "المتمكن نسبيا" و"الصالح نسبيا" لسوق العمل، إلا أن هذه الجهود لا تكفي لخلق نقلة نوعية كافية للقضاء على بطالة مجرد التفكير فيها يبعث القلق والتوجس من مستقبل مجهول لمخرجات الجامعة التي مازالت تنفق عليها الدولة الكثير من الموازنات دون أن تحصل على مردود مرض.

إصلاح التعليم العالي ليس مجرد قرارات تصدرها الدولة. عملية إصلاح التعليم العالي تمر بعشرات بل مئات الخطوات المتلاحقة التي يجب أن يتزامن العديد منها مع خطوات وإصلاحات أخرى. كل هذه الخطوات تجب مراقبتها ومتابعتها بدقة وبشكل دائم للتأكد من توافق مخرجات كل خطوة مع مدخلات الخطوة أو الخطوات التي تليها. ولكوننا ننتمي إلى العالم النامي الذي يعاني من الكثير من القصور والتناقض في تركيبته وعدم التوافق في مكوناته وعدم نضوج آلياته فإن قدرتنا على ملاحقة ومراقبة وتقييم هذه الخطوات أقل ما يقال عنها إننا كسلحفاة تتشنج عند كل منعطف. إن طموحاتنا لتسريع عجلة التطوير تصطدم دائما بكثير من عقبات واقعنا في المجال الإداري من تخطيط وتنظيم وتنفيذ ومتابعة. وعليه فإن الطريق نحو تطوير التعليم الجامعي السعودي بالشكل الذي يطمح إليه كل مواطن ما زال يستلزم الإجابة على تساؤلات عميقة حول كيفية تعديل مخرجات الجامعات من الطلاب الذين يفتقدون الكثير من مقومات العمل في الحكومة والقطاع الخاص.

لتوضيح هذه المعضلة لا بد من النظر إلى "جهاز التعليم العالي" (جامعات) على أنه منظومة لها مدخلاتها وعناصرها التي تتحرك وتتفاعل بداخلها وفق نظم محددة ومعقدة لتشكل في النهاية مخرجات التعليم العالي.

وعليه فإن جودة مخرجات منظومة التعليم العالي محكومة بجودة المدخلات والعمليات التي تحدث داخل "جهاز التعليم العالي". وهنا بيت القصيد... فإذا نظرنا إلى مدخلات الجامعة من طلاب التعليم الثانوي العام لوجدنا معظمها يحتاج إلى إعادة تشكيل وصياغة. وهنا تأتي "العمليات" التي تحول المدخلات إلى مخرجات والتي يفترض أن تجريها الجامعة على المتقدمين لها من امتحانات قبول وسنة تحضيرية وتقييم على مدار السنة.

ما يتردد في صحافتنا حول قصور مخرجات التعليم العالي هو نتيجة طبيعية للخلل في مدخلات الجامعة وعملياتها ويوضح لنا مدى الجهد الذي يجب أن يُبذل في تنقية المدخلات وجودة العمليات. تنقية مدخلات الجامعة يعني عدم قبول كل من له رغبة في الدخول للجامعة... وبالتالي فإن كثيرا من حلول مشكلة المدخلات يكمن خارج أسوار الجامعات. جودة عمليات الجامعة تعني أيضا توافر قوى بشرية قادرة على القيام بدورها في إطار نظام مالي وإداري موائم. للأسف ما زالت جامعاتنا ترزح تحت نظم إدارية ومالية لا سيطرة للجامعات عليها، وعلينا أن نتوقع المعاناة من جراء ذلك.

جزء كبير من مشاكلنا له علاقة متجذرة في كوننا دولة نامية. كثير من الإصلاحات يجب أن تأخذ مداها الزمني لأننا ننتمي للعالم النامي الذي له خصائصه التي تختلف جذريا عن الدول المتقدمة. في كثير من الأحيان يتمنى المسؤول الانعتاق والانطلاق نحو آفاق جديدة متخطيا واقعه... لكن يبدو (وأقول يبدو) أن في التأني السلامة حتى لا نخرج عن سنن الكون تماما مثل الزهرة لا بد أن تأخذ مداها الزمني لكي تتفتح.