علي حنبص آل موسى
إن مستقبل التعليم في المملكة العربية السعودية يواجه تحديات كبيرة في ظل الظروف التي يعيشها العالم والتطور الهائل في العملية التعليمية، ومن الواضح أن التعليم في المملكة العربية السعودية يحظى باهتمام كبير من أعلى القمة الهرمية بالمملكة بفضل دعم الدولة رعاها الله وتسخير كافة الإمكانيات المتاحة لرفع مستوى وقدرة الشعب السعودي، ولكن وعلى الرغم من الجهود المبذولة في سبيل تطويره والارتقاء به بوصفه أحد أهم ركائز التنمية البشرية إلا أن التعليم لدينا لا يزال يواجه تحديات كبرى، أهمها كيفية تطوير التعليم لمواجهة المستقبل، وكيفية إعداد الجيل الجديد لمواجهة التحديات القادمة ومن ضمنها تحديات سوق العمل والمنافسة على الفرص المهنية المتاحة .
ولعل أول هذه التحديات نوعية التعليم الذي يجب أن نسلح به أجيال المستقبل لإعداده وتهيئته لحياه أفضل، وثانيا وربما هو التحدي الأهم الذي يؤرق القائمين على العملية التعليمة هو جودة التعليم المقدم حاليا؛ خاصة وأن عصر التعليم التقليدي قد انتهى، والجيل الجديد مقبل على عصر ربما لا يحتاج فيه إلى كل تلك المعلومات المعلبة والجاهزة التي تقدم له حاليا، والتي لا يستفيد منها الطالب أو المتلقي إلا بمقدار 15% فقط مما يحتاجه، أما النسبة الباقية فعليه أن يستمدها بنفسه من خلال التعلم الذاتي طول حياته من خلال التجارب والبحث ومحاولة تطوير الذات، إضافة إلى مدى فاعلية طرق التقييم المستخدمة حاليا في تقييم أداء الدارس لقياس مدى استيعابه للمادة؛ حيث تعتبر تلك الطرق أحد أهم أسباب تدني العملية التعليمية في المملكة، فالامتحانات التقليدية المستخدمة حاليا وفاعليتها في قياس الأداء ليست دوماً فعالة في تقييم قدرات واستيعاب الطالب في عصر مليء بكل عناصر الإثارة التعليمية وخاصة الرقمية؛ فالاعتماد الكبير حاليا ومستقبلا على استخدام التقنيات في التعلم سوف يضعنا أمام قضية مهمة أخرى ألا وهي كيفية إيصال القيم المراد إيصالها إلى ذهنية المتعلم، أما القضية الأخطر فهي كيف نحافظ على هويتنا الوطنية وقيمنا العربية والإسلامية وفي نفس الوقت لا نمنع أبناءنا من حرية اختيار النسق التعليمي الذي يرغبون فيه، أو نوعية التعليم الذي يفضلونه أو حتى منبعه. هذه التساؤلات الصعبة تضع مستقبل التعليم عندنا في مفترق الطرق؛ ففي عصر متعولم وسريع التغير أصبحت معظم الخطط التي نضعها لحياتنا ومستقبلنا قابلة للتغير بين ليلة وضحاها؛ فما بالك بالتعليم الذي يتغير كل ثانية بحكم النظريات الجديدة والاختراعات الضخمة والاكتشافات العلمية المذهلة؛ الأمر الذي يضع كل خططنا لمستقبل التعليم على المحك، ويجعل مراجعة تلك الخطط بين الفينة والأخرى قضية ضرورية إذا ما أردنا أن نحافظ على الإنجازات التي حققناها، وعلى الرغم من أن التحديات التي تطال التعليم هي همّ مشترك يؤرق كل مجتمعات العالم قاطبة إلا أن مجتمعنا تؤرقه أكثر بحكم العديد من العوامل، أهمها أننا نولي التنمية البشرية أهمية كبيرة ليس فقط بوصفها أحد أهم السبل المؤدية إلى تنمية مجتمعية مستدامة بل لأن التنمية البشرية مرتبطة بعدد آخر من القضايا المجتمعية المزمنة التي نأمل من خلال التنمية البشرية إيجاد حلول دائمة لها؛ فمن خلال التنمية البشرية نأمل في إيجاد حلول للتركيبة السكانية والحفاظ على الهوية الوطنية واللغة العربية، وإيجاد حلول لقضايا مجتمعية مثل التوطين والتنمية الثقافية وغيرها من القضايا التي باتت اليوم تشكل همّاً يؤرقنا هذا الكم الهائل من القضايا المرتبطة بالتنمية البشرية، لا شك بأنه يدفعنا ويحثنا بصورة يومية لاستيراد وتطبيق أجود أنواع التعليم، وأفضل وسائل التقييم وأفضل البيئات التعليمية المحفزة لنقدمها لأبنائنا لضمان ليس فقط مستقبلهم ولكن مستقبل الوطن بأكمله.
إن التعليم هو من القطاعات الحيوية التي توليها القيادة الحكمية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين جل اهتمامها، ولذا خصصت له ميزانية ضخمة تقدر بالمليارات سنوياً؛ حيث تضع كل آمالها في تطوير هذا الجانب التنموي والرقي به، ولن نصل إلى هذه الأهداف السامية إلا بتضافر جهود المختصين والأكاديميين وخبراء التعليم لإيجاد حلول إيجابية لقضايا التعليم الآن ومستقبلا. إن اهتمام حكومتنا الرشيدة بقطاع التعليم هو جزء من استراتيجيتها في الإعداد والتخطيط لمستقبل المملكة باعتبارها نبض وقلب العالم الإسلامي؛ فالتعليم وبناء شخصية الطالب المستقلة وتسليحه بالمهارات الحياتية اللازمة له من أهم الركائز لإعداد جيل المستقبل حتى يتسلم راية البناء والتنمية مؤهلاً بسلاح قوي هو العلم الذي بدونه لا يستطيع أي مجتمع التقدم خطوة إلى الأمام، وهاهي الأيام تمضي ليتسلم أمير الفكر العربي سمو الأمير خالد الفيصل زمام هذه الوزارة بثقة من ولي الأمر وضعته أمام تحد كبير وآمال عريضة بداية بالطالب مروراً باستراتيجيات المادة العلمية وانتهاءً بأولياء الأمور، وما زلنا نضع كل هذه التحديات أمام وزير التربية والتعليم وهدفنا جميعاً انتشال العملية التعليمية مما تعانيه من تحديات راهن عليها الجميع بالفشل وفق خطط أضاعت هيبة العلم والمعلم على حد سواء.