كيف تقلصت القضية الفلسطينية وتم اختصارها في قطاع غزة؟! أصبحنا نقول المواطن في غزة، وانصروا غزة، ونسينا الإنسان الفلسطيني ونصرة فلسطين؟!

لقد تم تقليص قضية الاحتلال الغاشم لأراضيها إلى حصار وعدوان على "غزة"!، ثم أين ملف المستوطنات التي تتوسع دون شرعية دولية في القدس الشرقية ومعاناة الناس في رام الله والريف؟! هل تم نسيانها في ظل القضية الشاغلة "غزة"؟! هذا ما يحصل فعلا، وليس إلا من دهاء الصهاينة، ويبدو أنهم نجحوا فعلا في خلق معاناة لعدوان وجرائم في دائرة أصغر "قطاع غزة" تشغل العالم لينسى الدائرة الأكبر "فلسطين"، إنها سياسة الجزء من الكل، هكذا ينشغل العالم عن الاحتلال الأكبر والمستوطنات التي تتوسع فيها إسرائيل ضاربة بالقانون الدولي عرض الحائط!، ويؤكد هذا أنه في كل مرة يفتح العالم عينه لمناقشة قضية المستوطنات وتجاوزات إسرائيل، خاصة خلال السنوات الثلاث الماضية، مستغلة انشغال العرب بربيعهم التالف، وثوراتهم الخديجة، إذ يبدو أنه لم يكن إلا ربيعا صهيونيا بامتياز، وكيف لا؟ والعرب يقتلون بعضهم بعضا في الدول الثائرة، والمسلمون تفتتوا طائفيا فيما إسرائيل تضع رِجلا على رِجل تتفرج دون أن تخسر قيمة رصاصة واحدة، وتستمتع بتحقق أمنها في الشرق الأوسط، برؤية دول عربية على وشك التمزيق والتضاؤل الداخلي، إنها رغبة الدولة الصهيونية التي تدعمها فيها أميركا، وأهم أهدافها في تكوين خارطة شرق أوسط جديد، فلا تشعر إسرائيل حينها بأي تهديد وسط دويلات متآكلة ضعيفة، وثروتها الإنسانية مجرد مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى نفسيا والفقراء نتيجة الحروب الطائفية الأهلية التي تعانيها اليوم، فيما إسرائيل ستتمتع بالسيادة في المنطقة والنماء والتطور، هذا هو السيناريو الذي يتم التخطيط له بحبكة جيدة، فيما العرب بغباء يأكلون الطعم "الديموقراطية العرجاء" ويسعون بسرعة لتحقيقه!.

لقد نسيت السياسة العربية فلسطين خلال السنوات الثلاث، واستفردت بها إسرائيل بالأرض، وعندما بدأ العالم يفتح ملف انتهاكاتها القانونية في ظل مصالحة فلسطينية بين فتح وحماس، أشعلت نيرانها على "غزة" وخلقت عدوانا من لا شيء!، وحورت القضية من الكل إلى الجزء، فالمستوطنون الثلاثة حتى الآن لا يوجد دليل على أن من قتلهم هم فلسطينيون من غزة!، وربما هو سيناريو افتعلته إسرائيل لتجد سببا تشغل العالم من جديد بالدائرة الصغيرة عن الأكبر!.

وللأسف، فإن حماس ونتيجة مصالح سياسية حزبية، وجدتها فرصة لتصفية حساباتها مع مصر، وخدمة تنظيم الإخوان المسلمين الذي سقط، فحماس ليست ولية أمرها، وإنما أمرها يكون من خلال التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي تتسيد مشهده قطر وتركيا، لهذا سمحت في المتاجرة بدماء المواطن الفلسطيني البريء في غزة، وباتت تتحدى بآليات عسكرية ضعيفة أمام القوة العسكرية الإسرائيلية، ولهذا حماس تتحمل المسؤولية أيضا، وكان واجبها حقن الدماء بدلا من إعطاء إسرائيل ما ترغب فيه لتخرب وتقتل وتدمر!.

حقيقة، إن أكثر ما يحزن القلب، هو أن يدفع الإنسان الفلسطيني من عمره وأطفاله تشريدا ونزوحا وقتلا وخوفا! فاتورة باهظة جدا لتصفيات إقليمية وحسابات حزبية، ليس له ذنب فيها سوى أنه مواطن تستخدمه القوى الحزبية كورقة للعب من أجل تحقيق مكاسب سياسية شخصية ومادية، فيما يبقى هو الخاسر الوحيد مع الأسف.