يبدو أنه في شهر رمضان المبارك، يعاني بعضهم من "الشيزوفرينيا" أو فصام الشخصية، ولكن بطريقة إرادية وليست عقلية كما يجد الطب النفسي هذا المرض، فالمعروف أن الشخص يصاب فيه باضطرابات عقلية، يتخيل خلالها أنه شخصية أخرى أو عدة شخصيات، ويعاني فيه المصاب من الهلوسة. إنه مرض عقلي لا إرادي ولا بد فيه من تدخل طبي، لكن ما أقصده هنا مجازيا من المصطلح، هو إصابة بعضهم بـ"الشيزوفرينيا الرمضانية"! هؤلاء في رمضان تجدهم أشخاصا آخرين غير الذين اعتدنا عليهم طوال العام، فالنميمة والغيبة والكذب الذي تعود لسانهم عليه بجانب ضيق الخُلق واستخدام الشتائم والألفاظ البذيئة أو حتى النكت البذيئة كل هذه الأمور يحاولون أن يغتسلوا منها ويستبدلونها بكثرة التسبيح والاستغفار والإمساك بالقرآن الكريم الذي يتم هجره طوال العام بحثا عن فضل ختمه مرة أو مرتين، وإن كانت تلاوته لا تتجاوز الحنجرة ولا تدخل القلب، فما يهم هؤلاء الإعلان مع نهاية شهر رمضان للأقارب والأصدقاء في تجمعات العيد أنه ختم القرآن الكريم في رمضان وصلى خلف الإمام الفلاني صلاة التراويح! ليس هذا فقط، بل ترى من هؤلاء من يتعالى صوته بالنصح الديني لمن يجالسه وربما أسرته عند سماع الأغاني والموسيقى أو مشاهدة الأفلام السينمائية ويستبدلها بالبرامج الدينية! حتى على "الواتساب" يتغير هؤلاء فيما يرسلونه وشتان بين ما قبل رمضان وبعده! وتجد الواحد منهم يدقق في الحرام والحلال الذي ينساه طوال السنة!! وخاصة بعض النساء، ترى إحداهن تهتم بحجابها وربما تعزف عن وضع مساحيق التجميل أثناء خروجها وترتدي ثياب الحشمة، فيما نجد أن كل ما تشتريه للعيد بعيدا تماما عما يظهر عليها في رمضان!

صحيح.. أمر محمود السعي لمضاعفة الأجر في شهر الخير، ولكن هل الأجر فقط في شهر رمضان؟! لماذا تتغير قناعاتنا الدينية والأخلاقية والسلوكية بعد رمضان وقول "اللهم إني صائم / ـة" كلما همت النفس بفعل أو قول قبيح إلى شخصية مناقضة تماما لما كانت عليه في رمضان!؟ ولا يتأخر في هذا التغيير عن أول أيام العيد المبارك، حيث تحلو النكت البذيئة وجلسات النميمة مع القهوة والحلويات والثرثرة في هذا وتلك!؟ فيما قائمة الحلال والحرام تُطوى صفحتها تماما!؟ أليس هذا فعلا "شيزوفرينيا" أو فصام شخصية!؟ أليس ذلك نابع من قلة احترامنا لأنفسنا حين نعمد إلى تغيير قناعتنا الدينية والسلوكية والأخلاقية لارتداء قناع قد يكون رديئا.

أخيرا، ما دمنا نستطيع ترويض النفس لجعلها أفضل وأحسن خلقا وسلوكا وتدينا في رمضان فمن باب أولى ونحن اليوم على أبواب انتهائه أن نكون كذلك طوال العام، لأنه ببساطة إن استطاع هؤلاء بنفاق كهذا أن يمكروا على أهل الأرض، فلن يستطيعوا أن يمكروا بنفاقهم على رب السموات والأرض! وما أجمل أن يكون الإنسان كما هو دون أقنعة ويسعى بذاته لأن يكون أفضل بقدر ما يستطيع احتراما لنفسه حتى يحترمه الآخرون، وكما يقول الأديب المصري فكري أباظة "شعور الإنسان إزاء نفسه بأنه يحترم نفسه رأس مال كبير".