لمن يلتبس عليه معنى "التاريخ يعيد نفسه" يمكنه أن يستوعب سيرة الفوهرر هتلر والدوتشي موسوليني ويقيسها على حالة رئيس ما تبقى من حطام سورية بشار الأسد، وفي كل الأحوال هناك فوضى عارمة في الممارسة السياسية، عشوائية واضطراب وارتباك في إدارة الدولة، وانتهاء بوهم سياسي يستعلي فيه القائد ويتغطرس ويعزز الطغيان في دوره السياسي، ثم يرى الواقع ورديا وكأن الشعب الذي يموت يوميا بالعشرات ما هو إلا حطب يتدفأ به القائد بسبب بروده المرضي وبعده عن الواقع الساخن الذي يلتهب ألما وجراحا وعذابا كل لحظة يبقى فيها حاكما بأمره.

بشار الأسد يبدو خياليا بصورة غير طبيعية، تتجاوز حالة الزيف الواقعي التي وصل اليها هتلر الذي تصوّر أنه يمكنه حكم العالم بعد أن ينتهي من حرب روسيا فسقط تحت ضربات الجنرال ثلج، وتلقى شر هزيمة كانت بداية نهاية طموحاته الدموية وغير المشروعة، ذلك أن العملية السياسية ترفض ما ليس واقعيا، أو لا تعترف بأدوار متعددة لآخرين ليس بالضرورة أن يتفقوا مع القائد، والذي إذا فشل في استيعاب أغلب أو معظم المكونات الوطنية فإنه لا بد أن يتحلّى بالواقعية في احترام معارضيه وتقديم التنازلات الضرورية لمسيرة الوطن، ولكن حالة الزيف والوهم التي يعيشها الأسد أعمته عن رؤية الصورة الكلّية لمجريات الأحداث في سورية التي انهارت أمام أعين العالم فيما لا يزال يراها رئيسها وكأنها مروج خضراء تغرد فيها العصافير بدلا من دوي المدافع.

رئيس سورية غير الطبيعي يحلم بأن يحكم لسبع سنوات مقبلة بعد سيرك انتخابي فاضح، لم يتم إلا في دائرة ضيقة في بعض أحياء دمشق وبيروت، ووقف الرجل مزهوا في حفل تنصيبه رئيسا لولاية ثالثة ليقول إن "الشعب السوري مارس الديموقراطية بأبهى صورها، وكان الخيار خيار الشعب والديموقراطية من صنعهم، وأنهم وقفوا في وجه الفتنة ولم يسمحوا لرياح الفتنة أن تضرب عقولهم وقلوبهم ولم يركعوا إلا لله وصمدوا وتمسكوا بوطنهم".. ذلك يذكرني ذات مرة حين وقفت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة لتعارض قرارا أمميا ضد مجازر إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة مستخدمة حق النقض "الفيتو" قائلة "إني أمارس الديموقراطية"، تلك حالات ليست لها علاقة بالديموقراطية.

الوهم الديموقراطي للأسد يجعله يتصور أنه أجرى انتخابات نزيهة وشفافة بمشاركة كل سوري داخل أو خارج وطنه، وتمتع الجميع بالحقوق الديموقراطية في تأييد مرشحيهم المفضلين ورفض غيرهم، ذلك غير صحيح وليس بجوار الرجل من هو رشيد أو جريء ليهمس في أذنه أن ما يحصل كله تمثيلية تضحك العالم من أقصى شرقه إلى غربه ومن جنوبه الى شماله، ولذلك وفي ظل حالة الوهم هذه لا بد أن يظن الأسد أنه أصبح رئيس سورية وقائدها الأبدي، وليس لسبع سنوات قادمة وحسب، وحينها تزداد المشكلة تعقيدا ويصعب الحل، ولكن لا بد أن نصل ذات يوم إلى نهاية الفوهرر والدوتشي، وذلك بغض النظر بالطبع، عن الفكرة التوسعية والإمبريالية في حالتهما وحالة الأسد، ولكن المقايسة المرضية للوهم السياسي شديدة التماس مما يهيئ لنتيجة مقاربة في مقبل الأيام.

حالة الأسد تغوص بسورية، للأسف، في مزيد من الوحل السياسي الذي يستدعي الإرهاب والتشرد واللجوء وانتهاك الكرامة والأعراض، وكان بإمكانه أن يكون نزيها بالحد الأدنى الذي يحترم شعبه ويسعى إلى عملية توافقية مع المعارضة برعاية دولية، ولكن من يعيش الأوهام لا يتوقع أن يأتي بحل وسط يخرج سورية من النفق الذي أدخله فيها رئيسها، الذي يرى أن ساعات قليلة، يقصد فترة الانتخابات، خرج فيها الشعب ليعبر عن رأيه، وكانت كفيلة لمحو كل الإرهاب والتزوير الذي مورس لسنوات، وطوال سنوات لم توجد غير عائلة الأسد وشخصه، كما أنه لم يمح الإرهاب، وإنما عززه، ولكن لنتفق معه على أمر قاله لأنه إن كان واعيا له فهو المخرج الحقيقي لسورية من رهاب السلام والاستقرار الذي لا يراه إلا طبيب العيون الذي يرى الحقيقة بعيون وقحة، وهو من قال "من لا يحمي وطنه لا يستحقه ولا يستحق العيش فيه"، وذلك يكفي العالم بأسره وليس السوريين، مبررا لعدم استحقاقه أن يعيش في سورية كمواطن عادي فضلا عن أن يتولى قيادتها.