من يظن أن التضامن مع الشعب الفلسطيني المسلم العربي المحتل الصامد، ضد الصهيونية العالمية، من باب الأدلجة والاصطفاف السياسي فهو مخطئ. قضية القدس وفلسطين..، وأهلها بالذات هم من يجب أن نتعاطف معهم ونناصرهم في قضيتنا التي استأمنهم الله عليها، فدفعوا دماءهم وأرواحهم وتشبثوا بها، حتى يأتي وعد الله في سورة الإسراء بأن فلسطين ستعود، وأن الفلسطينين هم من قال الله فيهم: (إذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لَنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا)، وقد وصف الله أولئك المحتلين بالمفسدين.

هناك من يزايد على القضية الفلسطينية، وكأنها أي أرض، متناسيا أنها الأرض المباركة، فيها قبة الصخرة ومنها أسري بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت القبلة الأولى وهي ثالث الحرمين الشريفين، بل إنها قضية دينية إسلامية بامتياز، ولا يحق لأي واحد منا مهما تطرف في فكره السياسي أو الديني، أن يتجاهل أو يجهلنا بقضية القدس وفلسطين؛ لأنها قضية كل مسلم، ولهذا ـ وبعد ضعف العرب وهوانهم ـ دخلت عليهم قوى أخرى تستغل هذا الضعف للسيطرة على العرب، تحت مظلة قضية فلسطين، ونحن في كل عام نرى أهلنا في فلسطين تُدمر بيوتهم على رؤوسهم ويُقتل الأطفال ويُتعدى على الشيوخ والنساء، وتُدمر المساجد والمدارس والمستشفيات، ويُعتدى على الأراضي والمزارع وغيرها من المصالح التي يتقوت عليها الشعب الفلسطيني الذي كان ضحية تخاذل من المسلمين إبان الدولة العثمانية التي أضاعت فلسطين بعد أن أضاعت أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، وكان العرب ضعفاء بسبب الهيمنة العثمانية التي لم تسمح لهم بتشكيل أي قوة، وأبقت عليهم مزارعين لا يصنعون ولا ينتجون ولا يتطورون، ثم تركتهم للقوى الاستعمارية تمزقهم شر ممزق، وبعد استقلال العرب من القوى الاستعمارية، كانت هناك حروب وحروب، وها هي تستمر الحروب ما دام هناك قدس وأرض محتلة، فهذا قدر فلسطين وأهلها الشرفاء. ولكن من يراقب البعض في تفكيرهم وفي كتاباتهم وفي مواقفهم، ينظر إلى الموضوع من زاوية سياسية واصطفاف مع قوى في خلاف مع بعض الفلسطينيين، والقضية أبعد من أن تختزل في هذا الإطار؛ لأنها قضية دينية وتهم كل مسلم. ومهما صدر من مخالفات من الجانب الفلسطيني، ما دامت في مواجهة الإحتلال فهي أمر مشروع.

البعض منا ينظر للقضايا من واقعه المادي، ومن الرفاه الذي يعيشه، متناسيا الاحتلال الذي هو أداة لحرب صليبية مستمرة ضد فلسطين، وقد زرعت إسرائيل لهذه الغاية الصهيونية التي قامت على نبوءات دينية ترى أن وجود إسرائيل من علامات عودة عيسى ابن مريم عليه السلام، ولهذا يجب عدم التفكير بفكر الإعلام الذي لا يمكنه الخوض في القضية بشكل معمق؛ لأنها تعد مسألة غير مقبولة إعلاميا، ولكن يجب أن ننظر للقضية من زاوية أسباب نشأة إسرائيل، ومن خلال السياسات الغربية التي أوجدت إسرائيل، ومن خلال الحماية الغربية والأميركية التي تقف خلف إسرائيل، مهما جنحت ومهما قتلت واعتدت، وهذا هو خطاب الرئيس باراك أوباما في إيباك الصهيونية في أميركا.

ما يحزن هنا هو استرخاصنا لدمائنا ولكرامتنا ولأعراضنا، فلسطين جزء من عرض كل عربي ومسلم، وستبقى في عقولنا وفي أرواحنا مهما أمعنت أدوات غسل الأدمغة في إخراج هذه القضية من رؤوسنا، فالدم الفلسطيني هو الذي يعيد توجيه أنظارنا لقضية فلسطين، هو الذي يذكرنا بقضيتنا الأولى، كما إن الدم الفلسطيني هو الذي يدافع عن حقوقنا في القدس وفلسطين، وإذا كان الرئيس أوباما يرى إسرائيل هي الخط الأمامي لأمن أميركا، فإن فلسطين هي خط الدفاع العربي والإسلامي الأول، ولولا الفسطينيون لربما كانت قوة الاحتلال في مواقع أخرى. وقد أنتج روبرت فسك فيلما عن قضية فلسطين بث مرة واحدة، ثم تم شراء الحقوق لعدم بثه مرة أخرى، وقد عرى فيه الاحتلال.

ياغزة: اعذري جهل بعضنا الديني والتاريخي، فأنت جزء من الأرض التي باركها الله ونحن معك بقلوبنا وعقولنا، مهما جنحت أقلامنا، أوسقطت ألستنا، أنت أرض الرباط عند من يؤمن بكتاب الله، وأرض الإرهاب عند من يعادي الله ورسوله.

الدفاع عن أنفسكم ومقدساتكم وأرضكم مشروع ضد قوى الاحتلال التي تمارس كل الأعمال الإرهابية المتمثلة في إرهاب الدولة، التي تحتل وتغتصب الأراضي وتقتل الأبرياء. يا غزة يا رمز العزة، إنك أنت القلب النابض في عالمنا الإسلامي الذي لا يزال يضخ دماءه في عروق جسدنا الإسلامي المتقاتل والمتصارع نتيجة الاختراقات والخلافات والتدخلات الخارجية التي تحاول تكسير شوكة أمتنا، وتبعدنا عن حقوقنا ومقدساتنا وأراضينا المحتلة.

فلسطين: مهما علت أصوات نشاز إلا أنك في وجدان كل واحد منا، لك منا الدعاء بأن يرفع الله عنك البلاء، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم، وأن ينصر أهلك بنصره المؤزر، ويمدهم بعونه وتوفيقه، ويعزهم، ويثبت أقدامهم في الدفاع عن مقدساتنا وقضيتنا الأولى، التي لن تعود إلا بما عادت به من قبل، وحسبهم الله على كل متسلط جبار.

غزة هي الجبهة الأمامية، وأهلها الشرفاء من أبناء فلسطين في أراضي الضفة وعرب 48 الذين يرابطون في مواقعهم حتى يأتي الله بنصره. ولهذا كل جهودكم في مقاومة الاحتلال هي محل التقدير من الجميع، والناس تلهج لكم بالدعاء ما دامت جهودكم تعمل على مقاومة الاحتلال. وستبقى دماؤكم الزكية دينا على أمتيكم: العربية والإسلامية. الله قد اختاركم دون غيركم للدفاع عن القدس الشريف، وستبقى فلسطين بقدسها الشريف حاضرة نتوارثها جيلا بعد جيل، بفضل جهودكم ومقاومتكم ضد الاحتلال والعنصرية والصهيونية والاغتصاب للأراضي الفلسطينية العربية الإسلامية.