يقول الروائي "الصديق"، أحمد أبودهمان مساء ما قبل البارحة على إحدى الشاشات: عندما قابلت "قوس قزح" شخصية رواية الحزام الشهيرة قالت لي وأنا أسأل عن كل هذا التبدل والتغيير بعد ثلاثين سنة: لقد "تحضرنا" يا أحمد. وبالطبع، أعتقد بعد عدة قراءات لرواية الحزام أن أحمد أبودهمان كان يريد رسم أطلال وبقايا بيئته وأهله على الورق. لم يكن أحمد أبودهمان فيما أظن يريد لروايته دار "جيلمار" ولا مطبوعات "توين"، كان فيما أظن يكتب هذه الرواية ليستودعها في حقائب "نبيلة" بعد أن يرحل ليقول لها: إن "نصفك" الفرنسي القادم من حداثة باريس مشبوك إلى "نصف" من مشرق هذه الأرض حيث المطر يصعد إلى السماء، وحيث لكل حجر اسمه الشخصي في كل زوايا نصفك الأول القديم.

اكتشفت أن لأبي دهمان في مقابلته التلفزيونية وأنا أشاهده فضائياً للمرة الأولى وجهين لا يلتقيان، يتناقضان تماما ولكنهما لا يختلفان.

وجه يقول لنا مثلما قالت له قوس قزح "لقد تحضرنا"، وهو يذهب إلى باريس ذات زمن في غارة دراسية كان يفترض أن تكون قصيرة جداً، ولكنها طالت كثيراً كثيراً بسبب "ما يجب": إنه الوجه الباحث عن هجرة القرية والجهل والفقر، حيث الإنسان فيها مجرد "اسم" شخصي، شأنه شأن كل الأحجار في "سبل" القرية. وجه ظامئ إلى التحديث والنور، ولعله من أجل هذا عاش أبودهمان في مهجره أربعة قرون، ربما حراً بلا اسم حتى انفجر على عوالمه كلها برائعة الحزام التي وصف فيها وجهه القديم الآخر: وجه هو الامتداد الطبيعي لشويل الخلفي وسعد بن "فاطمة"، حيث هم من الطراز الأول "شم الأنوف" قبل أن "تتحضر" هذه القرى، أو بالتعبير الأدق قبل أن "تحتضر": له أن يدرك أنني حين قابلت أبانا "شويل" قبل عام كان يشير إلى المقبرة القديمة، ثم يقول: ما أدري هل أجد قبراً فيها من الزحام بعد أن أموت. نحن، أخي أحمد، مثلك تماماً: نعيش الحياة بوجهين متزاحمين، وكل وجه يبكي مأساة نصفه الآخر، الفارق أنك كتبتنا.