كان باستطاعة الزعيم التاريخي، عبدالله بن عبدالعزيز، أن يركن مطمئناً إلى الحقائق المحلية الصرفة عن وضع شعبه ووطنه قبل أن يلقي خطابه العالمي بعيد ظهر الأمس. أولى الحقائق المبرهنة هي هذا الالتفاف الشعبي السعودي حول الأسرة المالكة والقيادة، وهو ما يجعل المملكة اليوم بين عشر الدول الأولى في مؤشر السلم العالمي. وللمثال، فقد تحول استشهاد بضعة جنود سعوديين على الحدود إلى قصة وطنية شاملة في منطقة مضطربة تحسب القتل بعقارب الدقيقة. ثاني الحقائق أن السعودية قفزت 13 مرتبة في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية الأخير مثلما هي ضمن قائمة العشر الأول في مؤشرات التصنيف الائتماني، وهي الأولى عالمياً في حجم الاحتياط النقدي مقارنة بالناتج المحلي السنوي.

وكما يقول رائد نظرية السياسة برنارد جونثاد: تقوم الدول على معياري الأمن والاقتصاد، وفي هذين المعيارين كان لأبي متعب أن يركن واثقاً إلى أمن شعب واقتصاد وطن. لكننا للأسف الشديد لا نعيش هذه المعايير المزدهرة حد استحالة الوصف في جزيرة نائية معزولة، نحن في إقليمنا المضطرب الملتهب مثل قصر من الزجاج، ولكن اسمحوا لي بهذا التوصيف: في وسط مضارب بني عبس. نحن، اليوم، محاطون من جهات البوصلة الأربع بدول فاشلة، ونحن، أيضاً، محاطون من ذات الجهات بقيادات سياسية تدفع بشعوبها إلى حروب داخلية طاحنة، ولكم من الإحصاء أن عداد كذبة الربيع العربي يشحن في اليوم الواحد ما معدله 500 كفن إلى المقابر. نحن، اليوم، نشتغل بما يحدث في غزة، مثالاً، من جرائم حرب على يد عدو تاريخي، ولكننا في خضم هذا الانشغال لم نلتفت إلى كوارث ليبيا وفوضى العراق وهمجية سورية وضياع اليمن في براثن المجموعات الإرهابية.

والخلاصة أنني قرأت خطاب والدنا وقائدنا على كل الأوجه المحتملة في الظرف والتوقيت. وبالنسبة لي بشكل شخصي فقد قرأت فيه ما كان بالضمن من أبي متعب إلى شعبه الداخلي الخاص: وله أن يطمئن، فنحن أول من اكتوى بنار الإرهاب وأول من انتصر عليه. نحن أذكى شعب استوعب الدرس وأول من تنبه إلى أركان المخطط. نحن شعبك الذي اختبرك مثلما اختبرناك في أحلك الظروف، ثم عبرنا كل المعابر بكل كفاءة.