كل الأمم والشعوب في العالم تقف في مناسباتها الكبرى والخالدة، للتأمل، والتقويم والمراجعة وأخذ العبر والدروس من تلك اللحظات الاستثنائية التي أسهمت في انتصارها، إن كل هذه اللحظات التأسيسية لدى كل الأمم والشعوب، هي لحظات يتم الاحتفاء بها، والعمل على إبراز أولئك النفر الذين بذلوا وضحّوا وتركوا بصمات نوعية في مسيرة مجتمعاتهم وأوطانهم.. إن ذكرى البيعة التاسعة فرصة ثمينة لنا كأفراد ومؤسسات من مختلف قطاعات الدولة للتفكير فيما قدمنا خلال عام مضى، وما هو مأمول منا أن نقدمه لوطننا خلال عام قادم، هذه المراجعة الذاتية والرسمية يجب أن نجعلها واجبا رسميا لتقويم الأداء وتصحيح المسار، والتأكيد على أن هذه المناسبة بمثابة نقطة انطلاق جديدة تحتاج منا جميعا إلى العمل المتواصل والدؤوب من أجل النهوض والارتقاء بها إلى مصاف الدول المتقدمة.
في سياق الأفكار التقييمية نسعى، في هذه التأملات، إلى إضاءة ركن أساسي من أركان التقييم، وهو التربية على نشر مبادئ حقوق الإنسان، وما زلت هنا أستذكر الكلمة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين "من حقكم عليّ أن أضرب بالعدل هامة الجور والظلم"، حيث إن المراقب للمشهد المحلي في العقد الأخير يدرك وبوضوح ولادة المشروع الحقوقي بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وجعل حمايتها والتعريف بها في كل القطاعات هدفا استراتيجياً من اعتماد إنشاء جمعية حقوق الإنسان الخاصة، وهيئة حقوق الإنسان الحكومية، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وترشيح المملكة لثلاث دورات متتالية لتكون عضواً أساسياً في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من 2006 وحتى 2016، وانضمام المملكة لكثير من الاتفاقيات الدولية بدءاً من الاتفاقية الدولية لمنع التمييز العنصري التي صادقت عليها المملكة 1997، ثم الاتفاقية الدولية لمنع التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة صادقت عليها المملكة 1998، كما صادقت المملكة على الاتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة عام 2000، ثم اتفاقية حقوق الطفل عام 1996 والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، كما أن المملكة طرف في كثير من الصكوك الإقليمية والعربية والإسلامية؛ فعلى المستوى الإقليمي بادرت المملكة إلى التفاعل مع إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام عام 1990، وإعلان القاهرة لنشر وتعليم حقوق الإنسان عام 2000، وإعلان الرياض حول حقوق الإنسان في السلم عام 2003، والميثاق العربي لحقوق الإنسان عام 2004. نحن اليوم في ذكرى البيعة نطالب جميع المسؤولين في الأجهزة الحكومية بوضع مبادرات لنشر ثقافة حقوق الإنسان والتفاعل مع قرار خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 4/11/1431 في وضع استراتيجية عامة لنشر ثقافة حقوق الإنسان في كافة قطاعات الدولة ووضع مدونة محددة خاصة بالحقوق، يعرف من خلالها الناس حقوقهم بشكل لا لبس فيه، لتكون مقياساً لكشف التجاوزات والانتهاكات الحقوقية، فالمسؤولية الحقوقية ليست محصورة في الجهة المختصة بل هي نظام حياة على كافة الأصعدة..
إنني أقول لكل وزير ومسؤول في هذا اليوم: إن عليكم أن تسألوا أنفسكم ما الذي أضفتموه لتعزيز هذه الحقوق لإبراء ذممكم أمام الله سبحانه وتعالى؟ ما هي إسهاماتكم في تحقيق رؤية الملك في حماية وصيانة وتعزيز حقوق الإنسان؟ إن نجاحنا في نشر مبادئ حقوق الإنسان وقيم المواطنة وزرعها لدى الناشئة سيشكل دافعا اجتماعيا يؤثر في سلوك الفرد ويعمل على تقبل الآخر لمجرد إنسانيته، ليصبح الاختلاف (كحق) منصبا على الآراء والأفكار، وبالتالي سيكون كفيلا بخلق جيل جديد من المواطنين يغلب عليهم التوازن المجتمعي واحترام الآخر والتعامل بإيجابية مع كل واجبات المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان.