محمد عبدالله آل شملان


سيدي، خادم الحرمين الشريفين.. تحية ولاء وإجلال في الذكرى التاسعة لمولد عهدك الأغر.. فها هو الوطن بأكمله ـ من شماله لجنوبه ومن شرقه إلى غربه ـ درة في سماء الأوطان، متوشحاً بثوبه الأبيض والأخضر، مجيباً بكل ولاء وحب لك، فقد كنت وما زلت تروي هذا الوطن الأشم بعطائك المتواصل الفياض ..

لو بلغت مظاهر الاحتفال ذروتها في كل شيء لما استطاعت أن تضاهي بجمالها، ولا بصدقها تلك الاحتفالات التي يصوغها أبناء وطنك ـ وأنا منهم ـ الذي تتراقص مشاعرهم وأحاسيسهم وتعبيراتهم؛ لتكسب من الفضة لجيناً ناصعاً ومن الذهب تبراً خالصاً، وكل ذلك حتى تظهر أنه لا يوجد في الكون من يكن ولاءً لوطنه كما يكن السعودي الولاء والحب لوطنه ولك ـ حفظك الله ورعاك ـ .

الحديث عن شخصيتك أمر ينوء به قلمي.. وتقف أمامه كلماتي حائرة.. أيها تنيب.. وأيها تختار.. وبأيهما تبدأ.. وتتحفز مشاعري.. وتتدفق متضاربة.. تتدافع كلها نحو البداية التي أريد أن أختار.. لتتركني أمام بدايات عابقة.. أحار معها بأيها أبدأ ؟!

فإن الرجال مواقف، والتاريخ حصاد تلك المواقف، إن خيراً أو شراً، وأنت يا سيدي رمز مشرق للموقف الذي يصنع التاريخ، ويلهب صانعيه الهيبة والنبوغ والعطاء.

لقد قدت مسار هذا الوطن قبل تسعة أعوام، وبالتحديد عام 1426، يوم كان هذا الوطن يمر في عهدك بجميع التحديات الطبيعية والتاريخية التي كان من الممكن أن تؤخر عجلة هذا الوطن من اللحاق بالحضارة، فقابلت ووازيت ذلك ـ رعاك الله ـ بتعدد فروع النماء والبناء، حتى أصبحنا نحن اليوم جامعات شاسعة وتخصصات عالية، وأجيالاً هادرة، وبعثات علمية ومؤسسات ضخمة عليها مسؤولياتها الكبيرة تجاه الناس وتجاه مستقبل الوطن والتزاماته الروحية والتاريخية.

وكانت لك يا سيدي جهود في جعل هذا الوطن وطناً عصرياً منفتحاً ومتماسكاً.. فتغيرت مظاهر الحياة فيه.. وتقدمت في جميع معالمه وصروحه المختلفة.. فمن عمران مخطط منسق يمتد إلى كل مكان، إلى خضرة تقهر الصحراء، تنبت بالخير وتفيض بالعطاء، وطرق تربط أطراف المملكة المترامية فيزداد ترابط الوطن وتماسكه، وصناعات راقية تنتشر هنا وهناك . إلى غير ذلك من مظاهر النهضة التعليمية والزراعية والثقافية والاجتماعية والصحية والاقتصادية والقانونية وغيرها من المجالات التي يعايشها شعبك ويشهد صورها العالم كله.. ولم تكن المرأة السعودية بعيدةً عن موضع اهتمامكم بل كانت موضع اهتمام كبير، فشاركت وساهمت في نهضة الوطن الشاملة، فتمتعت بعضوية الترشيح لعضوية مجلس الشورى وحق الترشح والترشيح للمجالس البلدية مع حرصها على التمسك بتعاليم دينها وأخلاقها الفاضلة.

سيدي، خادم الحرمين الشريفين.. ستذكر لك الأجيال القادمة بكل اعتزاز وافتخار، أياديك البناءة التي امتدت إلى الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وحرصك ـ يحفظك الله ـ على الإشراف بنفسك على كل صغيرة وكبيرة في هذه المشاريع التي سوف تقدم تسهيلات وخدمات جليلة لجمهور الحجيج والمعتمرين الذين تكاثرت أعدادهم وتكاثرت معها طلباتهم في الخدمات والنقل والسكن. ونحن نتوسم ـ حقيقةً ـ فيك يا سيدي النعمة الكبيرة من الله عزوجل التي أتت في هذا الزمان والتي تتمثل في رجل مثلك؛ كي يسهر على راحة ضيوف الرحمن ويحرص كل الحرص على تذليل جميع العوائق مهما كان حجمها في سبيل خدمة الحرمين الشريفين ومن يؤمها من ضيوف الرحمن.

لقد كنت ـ يا رعاك الله وحفظك ـ قطرات من شلال الخير الذي ينهمر.. عطاءات الخير فيك تتواصل، وعطاءات البركة تتفتح معك، فكل يوم معك ميلاد مكرمة جديدة وبسمة أمل مشرقة ورياحين من عطاء قيادتك الإنسانية الفذة.. فكل ما تراه العين من شلال العطاء الذي ينهمر تارةً لأجل معاق.. وأخرى لأجل يتيم.. وأخرى لأجل محتاج.. وأخرى لأجل مستغيث.. وهكذا.. إنها تيارات عطاء في شلال واحد.. هو وطن الإنسان وإنسانية الوطن.

وكانت لك يا سيدي رؤية صائبة ترجمتها إلى موقف سديد في تأصيل ملحمة تقريب قلوب العرب والمسلمين، وجمع كلمتهم بالعدل والإحسان والتضامن والتعاون والمشاركة والابتعاد عن كل ما يثير الفرقة والضغينة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، حيث دعمت الجهود الخيرة ذات الشمولية والامتداد والقدرة التي أفاء الله بها على هذا البلد الأمين، طمأنةً للمواطن العربي، فنشأ مخاض مبادرات لا يكاد يعرف لها التاريخ نداً، بعثت خلالها روح التعاون والتكاتف والتلاقي وتوحيد الصف والمحافظة على الأمن والسلام على المستوى العالمي والمستوى العربي ملأت حس العرب والعالم وسمعه وبصره، حتى صرنا وطناً أهدافه معلنة ونواياه حسنة لرؤى الغد بمعيار ضوابط العقيدة وخصوصية وتقاليد الوطن؛ فغدت جهودنا (مدرسةً) جديرةً بتأمل غيرنا من الأمم.. ناهيك عن إعجابها! وفرض احترامها!.

وجاءت.. زحمة الأحداث الكبيرة داخل منطقة الشرق الأوسط، وعلى المسرح العالمي، وما شهدته من ثورات متلاحقة باتجاهات بوصلة هذا الوطن الأربعة، حتى في البلاد التي أسقطت أنظمتها؛ لتأتي مشاعر أبنائك أبناء هذا الوطن ـ يا سيدي ـ نحوك؛ فتقدم دروساً وبالمجان إلى المتربصين بالوطن وأهله الذين يستهدفون أمنها ووحدتها، فالتلاحم بين القيادة والمواطنين والألفة التي تجمعهم هي سر من أسرار قوة هذه الأرض ومكمن صلابتها؛ ذلك ـ يا سيدي ـ أنه عندما يمتد شعور الإيثار أماناً.. ينساب من عيونهم حتى يسكن كل الأطراف رضا.. يشبون معه مجبولين على الحب.. متشبعين بالعطاء الذي ألفوه حناناً.

سيدي، خادم الحرمين الشريفين.. واليوم ونحن ـ أبناء وطنك الحافظين لك عهد الولاء ـ نحتفل بمرور هذه المناسبة العطرة، نرقب بشوق وتقدير الفترة القادمة من تاريخ حكمك النقلة النوعية المتوقعة في كافة المجالات؛ لتحقق بذلك ما يصبو إليه شعبك وما يصبو ويطمح إليه شخص مقامكم الرفيع الكريم، الذي سينعكس يقيناً على جميع دول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة وعلى العالم العربي والإسلامي بصفة عامة.