في إطار التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط وعودة تنظيم القاعدة، بفروعه وأشكاله المختلفة، إلى البروز بقوة على الساحة الإقليمية والدولية، بدأ صناع السياسة في الولايات المتحدة يعيدون النظر في الاعتقاد السابق بأن التنظيم كان يضعف وأنه في طريقه إلى الزوال. وقد نشرت "مؤسسة راند الأميركية للأبحاث" تقريراً حول نشاطات القاعدة وسياسة الإدارة الأميركية في مكافحة الإرهاب. ركَّز التقرير على طبيعة التهديد الإرهابي ودور قوات العمليات الخاصة، وبالتالي يمكن تقسيم التقرير إلى ثلاثة أجزاء. الأول يلقي نظرة على تطور التهديد الإرهابي؛ الثاني يُركز على دور قوات العمليات الخاصة؛ والثالث يقدِّم بعض الاستنتاجات المهمة.



التهديد المستمر

استناداً إلى التوجهات الحالية، ستواجه الولايات المتحدة على الأرجح تهديداً مستمراً من الجماعات الإرهابية الناشطة في مناطق مثل شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. التهديد الأبرز هو الخطر الذي يُمثله تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى. تتميز الجماعات الجهادية بمعيارين أساسيين: الأول، أن هذه الجماعات تدعي أنها تريد العودة إلى الإسلام السلفي. الثاني، أن هذه الجماعات تعتقد أن الجهاد المسلَّح "فرض عين". أيمن الظواهري، من بين آخرين، أكد على ضرورة اللجوء إلى الجهاد المسلح لتطبيق الشرع الإسلامي من وجهة نظر هذه الجماعات.

هناك عدة توجهات مثيرة للقلق حول هذه الجماعات الجهادية. أولاً، عدد الجماعات الجهادية ازداد بعد 2010، وازداد عدد الهجمات التي تقوم بها القاعدة وفروعها. وهذا يعني أن الولايات المتحدة – بما في ذلك قوات العمليات الخاصة - يجب أن تركِّز على مكافحة القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى التي بدأت تتزايد في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

ثانياً، الحركة الجهادية الأوسع أصبحت لا مركزية على أربع طبقات: (1) مركز القاعدة في باكستان بقيادة الظواهري؛ (2) فروع رسمية أقسمت الولاء للقاعدة في سورية والصومال واليمن وشمال أفريقيا؛ (3) طبقة من الجماعات الجهادية التي لم تعلن الولاء للقاعدة، لكنها ملتزمة بتأسيس خلافة إسلامية؛ (4) أفراد وشبكات يستلهمون عملهم من تنظيم القاعدة.

ثالثاً، التهديد الذي تشكله هذه الجماعات يختلف بشكل واسع؛ فبعض هذه الجماعات تركِّز على النشاطات الداخلية ولا تهتم بمهاجمة أهداف غربية. هناك جماعات أخرى، مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، تُشكل تهديداً مباشراً للداخل الأميركي. بالإضافة إلى ذلك، هناك جماعات أخرى، مثل تنظيم الشباب في السودان وأنصار الشريعة في تونس وليبيا، تشكل تهديداً متوسطاً لأنها ترغب في استهداف المواطنين الأميركيين والمنشآت والسفارات الأميركية في الخارج. أما النوع الثالث من الجماعات فإنه يُشكل تهديداً منخفضاً للولايات المتحدة بسبب تركيزه على أهداف داخلية.

التهديد الأخطر يأتي من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي يمتلك قدرات ورغبة قوية لاستهداف الأراضي الأميركية والمصالح الغربية في الخارج. لكن قادة مركز القاعدة يجدون صعوبة في تجنيد ناشطين من ذوي الكفاءة في الغرب. من ناحية أخرى، بعض التنظيمات، مثل تنظيم أنصار الشريعة في تونس، تهدد المصالح الغربية في الخارج. وقد خططت أنصار الشريعة في تونس لعدة هجمات ضد دبلوماسيين أميركيين في تونس. أما التنظيمات الأخرى، مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وتنظيم جبهة النصرة، فإنها تهدف بالدرجة الأولى إلى تأسيس خلافة إسلامية في العراق وسورية والمنطقة بشكل أوسع. لكن الجماعات الجهادية في سورية يمكن أن تُشكل خطراً أكبر في المستقبل. وجود مقاتلين أجانب في جبهة النصرة وشبكاتها في أوروبا ومناطق أخرى وخبرتها في تصنيع المتفجرات تُبيِّن أنها قادرة بالفعل على تخطيط وتنفيذ هجمات في الغرب. هناك حوالي 10-15 ألف مقاتل أجنبي في سورية، وأعدادهم تتزايد باستمرار، ومن بينهم 10-15% يأتون من أوروبا، خاصة بلجيكا، وفرنسا، والسويد.



دور قوات العمليات الخاصة

استناداً إلى هذه التهديد المتواصل، يجب أن تشمل استراتيجية مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة أدوات متعددة، بما في ذلك أدوات عسكرية ومالية ودبلوماسية وأدوات أخرى. وزارة الخارجية الأميركية، وكالات الاستخبارات، ووزارة العدل، ووزارة الخزانة، ووزارة الأمن الوطني، ووزارة الدفاع، هي أدوات محورية. ومع ذلك فإن قوات العمليات الخاصة تستطيع أن تلعب دوراً مهماً في عدة مجالات.

- قدرات الشركاء والدفاع الداخلي في الخارج: أحد هذه المجالات هو بناء قدرات الشركاء ودعم الدفاع الداخلي في الخارج، وهذا يشمل مساعدة القوى الأمنية وتطوير قوات أمنية متخصصة وقادرة. وأن تكون قوات العمليات الخاصة مدرَّبة للعمل مع أو من خلال القوات الحليفة. وهي مدرَّبة أيضاً في مجال الثقافة المحلية والمجتمع واللغة والاقتصاد والتاريخ والسياسة. لكن هناك مخاطر من بناء قدرات الشريك ودفاعاته الداخلية. أولاً، الحكومات المحلية قد تكون متقلِّبة وغير متعاونة. الحكومة التي قد تكون مستعدة لاستهداف الجماعات الجهادية في وقت ما قد تغيِّر تقييمها فيما بعد. باكستان، على سبيل المثال، كانت أكثر استعداداً لاستهداف القاعدة على أراضيها بعد هجمات 11 سبتمبر مباشرة مما هي عليه الآن. كما أن الحكومات قد تنهار، كما حدث في مصر. ثانياً، مشاركة الولايات المتحدة تقوي خطاب الجماعات الجهادية. ثالثاً، محاربة الجماعات الإرهابية مهمة صعبة، خاصة في الدول التي تكون فيها الحكومات ضعيفة. ولكن على الرغم من المخاطر، قوات العمليات الخاصة تستطيع أن تعزز قدرات الحكومات المحلية.

- العمليات المباشرة والحرب غير التقليدية: قوات العمليات الخاصة مهمة جداً في استهداف الجماعات الإرهابية وشبكاتها الداعمة في عمليات دقيقة. تستطيع هذه القوات أن تدير عمليات سرية للقبض على أو قتل إرهابيين، والاستيلاء على إمداداتهم، وتقويض مواردهم المالية؛ كما تستطيع تنفيذ ضربات جوية؛ وتشرف على عمليات حرب نفسية لتقويض دعم الإرهابيين؛ وتجمع وتحلل معلومات استخباراتية حول الجماعات الإرهابية؛ وتتواصل مع لاعبين محليين. في الدول المعادية للولايات المتحدة ولكن فيها مجموعات تشكل خطراً على الولايات المتحدة – مثل إيران وسورية - قد يكون تدخُّل الولايات المتحدة محدوداً على الحرب غير التقليدية أو العمليات السرية من قبل عملاء استخبارات أو عناصر من قوات العمليات الخاصة. هناك عدة مخاطر للعمليات المباشرة والحرب غير التقليدية. أولاً، تعزز هذه العمليات خطاب الجماعات الجهادية التي ستحاول أن تصوِّر الصراع على أنه بين المسلمين والكفار. ثانياً، هناك إمكانية رد فعل عكسي. في المناطق التي لا تكون الجماعات الجهادية تنوي مهاجمة الأراضي أو المصالح والسفارات الأميركية، يمكن أن تسبب الضربات الأميركية تغيير سلوكها. ثانياً، هناك حدود لاستخدام عمليات مثل الطائرات دون طيار (درون) ضد بعض الجماعات الإرهابية. ومن ناحية ثانية، عمليات مكافحة الإرهاب الناجحة تتطلب بشكل عام أن تكون الحكومات المحلية تسيطر على المناطق التي تستخدمها القوات الأمنية. لكن فوائد استخدام العمليات المباشرة والحرب غير التقليدية أكبر من المخاطر في معظم الحالات. في الواقع، هناك حالات تتطلب استخدام هذا النوع من العمليات وإلا فإن الأمن القومي الأميركي يمكن أن يتعرض للخطر.



الخلاصة

يلعب الكونجرس – ويجب أن يستمر في لعب - دوراً حاسماً في المساعدة في جهود قوات العمليات الخاصة في مكافحة الإرهاب لحماية الأمن القومي الأميركي. على المدى المنظور، يجب أن تولي الولايات المتحدة موارد مكافحة الإرهاب أهمية خاصة أكثر مما فعلته في السابق. ستستمر الولايات المتحدة على الأرجح في الحاجة إلى قوات العمليات الخاصة من أجل العمليات المباشرة والحرب غير التقليدية وتطوير قدرات الشركاء.