نشهد في هذه الأيام فورة كبيرة في أسعار أونصة الذهب على حساب التراجع في قيمة الدولار. هذه العلاقة العكسية باتت إحدى المسلمات الاقتصادية، خصوصا بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية. فكل ارتفاع في سعر المعدن الأصفر يقابله تزايد احتمالات تدهور أكبر في الاقتصاد الأمريكي ككل. ولكن على الرغم من قتامة الصورة التي ترسمها لنا الأسعار التاريخية التي يسجلها الذهب يوما بعد يوم، فإن الرهان على فشل الاقتصاد الأمريكي، وعملته الدولار ضمنا، ليس واقعيا. وقد يفقد الاقتصاد الأمريكي قدراً من مكانته لصالح لفيف من الاقتصاديات الصاعدة، ولكن ذلك لا يعني البتة نهاية الرأسمالية الأمريكية، وذلك لأن القوة الكامنة لدى الاقتصاد الأمريكي، وهي القدرة على الاختراع والابتكار، مازالت فاعلة وبشكل كبير. فبفضل هذه القوة الكامنة، ستبقى رؤوس الأموال الأجنبية في تدفق مستمر في اتجاه الاقتصاد الأمريكي، على الرغم من ارتفاع المؤشرات الاقتصادية السلبية.

وتتشكل هذه القوة الكامنة في العديد من الصور والنماذج، بدءاً من الاختراعات والاكتشافات الجديدة، وتطوير التقنيات والمعدات، وإعادة تشكيل وهيكلة الأعمال والنماذج التجارية، وحتى نظم إدارة الشركات. وأهم ما يدل على فعالية هذه القوة الكامنة هو عودة العديد من كبريات الشركات التجارية والصناعية والمصارف الأمريكية إلى تحقيق الأرباح على الرغم من انخفاض الطلب وارتفاع معدلات البطالة. بمعنى آخر، تسببت الأزمة الاقتصادية العالمية في ركود في الاقتصاد الأمريكي ودفع شركاته إلى التخلص من أعداد كبيرة من الموظفين. وبالتالي فإن هذا الركود تسبب في انخفاض الطلب على مجمل السلع والخدمات التي تقدمها هذه الشركات، ولكنها تمكنت من مواجهة الانخفاض في الطلب عبر تقديم سلعها وخدماتها بهامش ربح أعلى وبعدد موظفين أقل.

هذه الإشارات لا تنفي السلبية التي تحوم حول الاقتصاد الأمريكي، فهو أكثر قربا من أي وقت مضى للوقوع في فخ الركود المزدوج. ولكنها تعطي الاقتصاد الأمريكي فرصة التأقلم مع المعطيات الاقتصادية الجديدة وبالتالي تتيح له المزيد من الوقت لإعادة الهيكلة، وهو أثمن ما يمكن شراؤه في أوقات الأزمات. هذه القوة الكامنة تولدت من عدد كبير من الجامعات والمراكز البحثية التي توظف الاستثمارات في رأس المال البشري. بالإضافة إلى وجود بيئة قوية ومتكاملة من القوانين لحماية وتشجيع الاستثمار في مجال الابحاث والتطوير. تعمل جامعة كاوست على نفس هذا المنهج، ولكن جامعة واحدة لا تكفي، ولابد من دعم أسواق المال لرأس المال المغامر حتى تكتمل السلسلة التي تحول الأفكار المبتكرة إلى نماذج تجارية ناجحة.