مسؤولون ومثقفون وكتاب ونخب وعامة وكل شرائح المجتمع على اختلاف توجهاتهم -ونحسبهم جميعا صادقين من باب إحسان الظن- جميعهم يتحدث عن الفساد، وعن مكافحته والقضاء عليه، وأجهزة حكومية عدة وإعلانات وبرامج وكتابات ومقالات، تشعر أنها حرب شاملة بكل ما تعنيه الكلمة، ولكن في المقابل نجد السيد فساد سائرا في دربه واثق الخطوة لم يتراجع قيد أنملة، ولم يرتبك أو يتردد أو يتضعضع.

عندما يُراد تعيين مدير في إدارة حكومية ما هو المعيار الذي يعتمده المسؤول عند التعيين، هل هو المهنية أم المعرفة؟ ولو حصل ودخلت الكفاءة ضمن هذه المعايير أين يكون ترتيبها؟ وإن حصل وأظهر الشخص المعَيَّن بعض الكفاءة في أداء عمله نعرف أن هذا جاء مصادفة أو أن معيار الكفاءة كان ثانوياً وكان اختياره في الأساس بناءً على معيار آخر.

عندما يهم أحدنا بمراجعة جهة حكومية لقضاء مصلحة له لا يسأل عن الإجراءات والأنظمة بل يلتفت إلى معارفه ويسأل سؤالا جماعيا معتادا في مجالسنا "من يعرف أحدا في تلك الجهة الحكومية"، وفي المقابل هل يقوم الموظف الحكومي أو المسؤول بخدمة المراجع العادي مثل ما يقوم بخدمة المراجع الذي يحمل توصية من متنفِّذ أو معرفة؟ وهل يلتزم بأنظمة الجهة التي يعمل بها أم يخرقها لخدمة من يعرف؟

الفساد لدينا لم يعد عملا متخفياً يمارس في زوايا مكاتب الإدارات الحكومية المغلقة والقطاع الخاص فقط بل أصبح أسلوب حياة ونمط تفكير تقبله المجتمع واعتاد عليه وبرمج أداءه ليتناسب معه.

لقد أنشأت الدولة مشكورة عدة أجهزة لمكافحة الفساد ومنحتها الصلاحيات، لكن هل هذه الأجهزة قادرة على مكافحة الفساد بعد أن أصبح بهذا الانتشار والتغلغل لدرجة أن المجتمع تشربه وبرمج أداءه عليه؟! لا أدّعي أني أعرف الحل الناجع الناجز، ولا أستطيع حتى الإشارة إليه، ولكني أستطيع أن أشير إلى أن الاستراتيجية المتبعة في مكافحة الفساد غير فعالة نهائيا وإنجازاتها لا تكاد تذكر وواقعنا خير شاهد.