ومع بالغ تقديري وامتناني للإخوة الكرام من رموز ووجهاء الطائفة الشيعية السعودية التي وقعت بيان الأمس في استنكار الهجوم والقذف الذي طال أم المؤمنين عائشة بنت الصديق الصادق، إلا أنني ما زلت أسأل عن قلة أخرى من كبار الرموز التي لم توقع ولم تدبج اسمها على ذات البيان. وفي قضايا بذر الفتن الكبرى بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد لا يغني في المطلق أن يبادر لإطفاء الحرائق نصف الفريق. وأسوأ ما في التصدي للقضايا الجوهرية وأكثرها خطورة ليس إلا السكوت. ذاك أنه يعطي الرسالة الخاطئة مثلما هو يعطي بكل وضوح قبولاً ضمنياً للظاهرة. قلنا ذلك بوضوح أيضاً للذين آثروا الصمت والسكوت ضد ظاهرة الإرهاب قبل أن يتضح لهم مثلما اتضح للمجتمع أنهم شبه شركاء في الجريمة.

وعلى أية حال فمثلما يغيظنا أي حديث موتور مبتور عن أمهات المؤمنين، مثلما أنا مؤمن أن مثل هذه الافتراءات الكبرى ضرائب إيمان لهؤلاء النساء الخالدات وقد نجحن في امتحان الزوجية والدعوة وبقي لنا أن ننجح مع مثل ابتلاء هذه القصص التي دحضها النص الإلهي، هذا إن كنا مؤمنين بالنص. كل القصة التاريخية من هذه الدروس: لماذا يتوقف حاضرنا ومستقبلنا أمام أو عند قصص من التاريخ لتبقى مثل هذه القصص محدداً لتقاربنا أو اختلافنا، بل حتى أساساً لحروبنا الفكرية أو الحقيقية. ولن يزايد أحد على وجه هذه الأرض في حبنا، مثالاً، لسبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحسن والحسين، بل إن حبهما عقيدة نتقرب بها إلى الله لأنها من حب النبي المصطفى وآل بيته السادة الكرام. وقد مضى الحسين، رضي الله عنه، إلى ما مضى وبالتالي لم يعد من المفيد بمكان أن نسأل كوامن معركة خلت منذ ألف ونصفه من الأعوام أو أن يأخذنا الخيال إلى سيناريو كان ليحدث لو أن هذا الفريق فعل تلك أو الآخر عمل ذاك. كل إنسان ألزمه الله طائره في عنقه ولا أحد في حياته معصوم من الخطأ إلا ما كان لمستقبلي الوحي الإلهي من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام. وكل ما أردت اختصاره ليس إلا هذا السؤال: لماذا نبني مواقفنا بعد ألف وخمسمئة عام وكأننا للتو، ومباشرة نعيد سيوفنا لأغمادها في نهاية حروب الخمسين سنة الأولى من ذلك التاريخ.