شاهدت فيلما محوره الشخصية التاريخية الروسية المثيرة للجدل (راسبوتين). كان لدي كثير من الشغف لمعرفة أكثر عن هذه الشخصية، وإن كنت قد قرأت الكثير عنها من فرط ما تردد من قدرة هذا الرجل على الخداع والتأثير.

ذلك الراهب الروسي الذي قُتل مطلع القرن الماضي استطاع أن يظهر بمظهر القديس وهو أفاك مخادع، غير أنه وحش وقاس ليقتحم القصر الامبراطوري الروسي. ومن فرط فساده وتأثيره يرى مطلعون على التاريخ أنه ضمن أسباب سرعة سقوط الامبراطورية.

وبقدر ما كانت الشخصية "راسبوتين" جامعة للمتناقضات من تدين وفجور إلا أنها بلغت عنان السماء شهرة واستشهادا، فتكاد تكون ضمن الأكثر من جُسدت شخصيته مسرحا وسينما وتلفزة وحكاية، بل وتشبيهها بالذي يصل إلى أصحاب السلطة أو إلى سقف الشهرة أو المال عبر الخداع والتضليل.

راسبوتين أحب السلطة والتقرب إليها لكنه لم يقوَ على ترك شغفه الجنسي وإدمانه الكحولي. وفوق كل ذلك تلبس بهيئة المتدين والمرتدي ملابس القديس الذي يملك نبوءة الكاهن وقدرة الطبيب، وحسب الاطلاع والبحث وجدت أن لكل بلد "راسبوتينها" الخاص، وقرأت عن كثير من الأمثلة عالميا وعربيا، بل إن عالمنا العربي شهد بعضهم، ولم تخف الكتب ولا المدونات والمقالات ذلك. بل شبهتهم مباشرة بـ"راسبوتين" حينما وجدت صفات متقاربة بين من تعنيه والراهب الروسي.

من جهتي طفقت أفكر وأبحث عن راسبوتين السعودي.. من يجمع تلك الصفات كي يحصد من جرائها المكاسب. وأحسب أن لدينا كثيرا من "الراسبوتيين" ممن يجمعون تلك الصفات باقتدار، وزادوا أن لديهم من الأتباع المتابعين ما تعجز عن عده، وكأني بهؤلاء الأتباع يمثلون دور زوجة القيصر التي كانت تحمي وتدافع عن راسبوتين بكل ما أوتيت.

راسبوتين السعودي يحمل أكثر من شخصية.. ثري وأستاذ ومشهور جدا، رغم أن ظاهره الزهد والبحث عن كل ارتقاء بأقل الأسعار.. غير أن استزادته من الشهرة والظهور لا تتوقف، وإن اختلف اليوم مع جهة إعلامية ما فهناك من يستقبله. فلديه القدرة على الإقناع والتأثير كما كان ذلك لراسبوتين.. وإن كان لدى الأخير علم السحرة والكهنة والتنويم المغناطيسي كأحد سبله.. إلا أن مواطننا لديه صفات أكثر جدارة فهو يعلم أين تحارب الملائكة.. ويستطيع طرد الشياطين.. وأحيانا يستدعيها!

راسبوتين الروسي قليل الكلمات، قوي الحجة، قادر على الإقناع، والأهم أنه لا يترك خلفه ما يناقض أفعاله.. وراسبوتين السعودي كذلك.. بصوت مؤثر سواء استخدمه مباشرة أو تغريدا، ما عدا أنه -هداه الله- من كثرة الأمور التي تحدّث عنها وفصل فيها تخونه الذاكرة حين الحوارات التلفزيونية المباشرة، فيسقط في فخ التناقض وعدم القدرة على إنكار أعماله ومواقفه السابقة.

أيضا من الاختلافات أن الروسي استطاع أن يخطط بجدارة لرحلة الوصول إلى القصر الامبراطوري.. فكانت خططه ناجعة وفاعلة ليعيش بين القيصر وزوجته.. "أما راسبوتيننا فربعنا كشفوا زيفه" وتركوه بعيدا لتجارته الكلامية التي لا تغني ولا تسمن من جوع حتى وإن أعجبت المتابعين!

وبعد في الحكاية الراسبوتينية.. أثق أن الجميع في السعودية، سيكتشفون عاجلا أم آجلا "راسبوتيننا".. هل هو.. ملاك.. أم شيطان؟!