وبالنسبة لي شخصياً، فإن كل ما قبضت عليه من حصاد "بيادر" التنمية في زمن الطفرة الهائلة ليس إلا نفقاً وجسراً، ولا أعلم حجم ما قبضتم عليه في أماكنكم من خريطتنا الوطنية الواسعة. كتبت الجملة السابقة قبل خمسة أعوام وثلاثة، وأيضاً في العام الماضي: الفارق أنني أشكر معترفاً بإضافة نفق وجسر في منجزات هذا العام، وهو إنجاز يكتبه كاتب من نيكاراجوا أو الحبشة. الفارق الذي يميزني عن هؤلاء أننا صرفنا خمسة تريليونات في خمس سنوات، وهو رقم خرافي يكفي لألف نفق وألف جسر وألف مشفى وألف طريق جديد، وأيضاً بناء مئة جامعة. نسيت أن أقول لكم من باب الاعتراف أن ماسورة المياه وصلت إلى جدار المنزل.

سأعترف لكم اليوم أيضاً، أنني أستنسخ مقالي بفكرته وصلبه سنوياً ومنذ خمس سنوات مع تعديلات هامشية ثانوية. اليوم، أضفت لقاموسه بضع كلمات شاردة مثل نفق وجسر وماسورة، وهي كلمات انتهوا منها في نيويورك قبل 150 سنة، وتخلصوا منها في بانكوك قبل ثلاثين سنة. مرة أخرى، نحن صرفنا خمسة تريليونات ريال في خمس سنين، فما هو حصاد البيدر؟ وأين تكمن المشكلة؟ سأقول صادقاً مع أهلي ووطني، وغيرة عليه وحباً له إن لب المشكلة يكمن في الخلل الهائل بين قدرة الموارد البشرية على إدارة هذا المال التريليوني الضخم. هي بالضبط مثل حمولة طائرة من "المال" تحاول تفريغها في "عربية نصف نقل".

نحن في حاجة إلى نهضة مكتملة في عالم الإدارة. ومن المخجل بمكان أن يمر علينا بكل الهدوء والسكون تقرير يقول إن أقل من 7% من مشاريعنا قد انتهت في زمنها المحدد، وإن أقل من 4% من كل مشاريعنا أيضاً قد تطابقت مع المواصفات التي كانت في العقد ما بين المقاول والجهة الحكومية. ولا تذهبوا بعيداً في توزيع التهم: قد تكون دائرة الفساد مسؤولة عن شيء من هذه النسبة المخيفة، ولكن الصحيح في الأغلب أن العقول الإدارية المشرفة على هذه المشاريع الهائلة أقل قدرة وكفاءة عن التصدي لهذه الفوارق الهائلة ما بين الحقل وبين البيدر. هذه هي الحقيقة المؤلمة التي نحتاج معها إلى ألف خطاب شكر مع الاستغناء عن ألف تنفيذي. حلولي الشخصية صادمة مستفزة لا تصلح للنشر: كل ما في الأمر أنني أعيد مقالي الذي أكتبه دورياً منذ سنوات خمس.