عندما تسافر إلى خارج الوطن وترى أشياء جميلة أو ممارسات حضارية على أي مستوى تتمنى أن تكون تلك الأشياء والممارسات في وطنك، تماماً مثلما شعرنا بالحسرة ونحن نشاهد كأس العالم الذي أقيم في البرازيل في رمضان بسبب غياب المملكة عن المشاركة فيه، أمور كثيرة يعز علينا ألا نراها في بلادنا، يعز عليَّ ألا أرى التزاماً بالسرعة المحددة في الطرق مما حدا بالسكان أن يجتهدوا اجتهادات خاطئة بوضع مطبات اصطناعية أمام منازلهم، وتتعدى الممارسات السلبية في طرقنا وشوارعنا تجاوز السرعة القانونية التي تتسبب في كثير من الحوادث المؤسفة إلى ممارسات مثل لجوء البعض إلى اعتلاء الرصيف حتى يتجاوز الواقفين أمام الإشارة إلى المقدمة في منظر أقل ما يقال عنه إنه غير حضاري، ولا يكشف مستوى الآداب فضلاً عن أنه مخالفة صريحة لقواعد وأنظمة المرور.

ويعز عليَّ ألا أرى طرقنا وقد خلت من الحفر ومن الترقيعات التي عملت بطريقة غير صحيحة ليصبح الأسفلت في الشارع مثل عدمه، أي كأنك تقود في شارع غير مسفلت وهذا ينسحب على كل شارع تم حفره وترقيعه، كلنا نعرف ونتحدث عن تجارب من هذا النوع ونسأل من الذي استلم ووقع على سلامة التنفيذ، ألا يتقي الله، يعز عليَّ ألا أرى حدائق الأحياء التي تم تنفيذها من قبل الدولة بشكل رائع مستمرة في شكلها بعد مرور أشهر فقط، ونسأل لماذا؟ من المسؤول؟ انظروا إلى حدائق أحيائنا وإلى الأشجار.. إنها بمثابة ذر الرماد في العيون، وعدمها أفضل من وجودها.

ويعز عليَّ ألا أرى شبابنا وقد استفادوا من فرص العمل المفتوحة على مصراعيها واستفاد منها غير المواطن، انظروا من العاملين في الأعمال الصغيرة والمحلات والورش المتنقلة، يصيبني الذهول عندما أتصل بصاحب ورشة متنقلة لإصلاح الثلاجة أو الغسالة ويعطيني موعدا وهذا دليل على ازدحام العمل عنده، ولا مؤهل لديه ولا ذكاء يتعدى مؤهلات وذكاء شبابنا والدخل من هذه الأعمال يتعدى حدود توقعاتنا، وأسأل شبابنا والمسؤولين أين تكمن المشكلة؟ لماذا عامل بدون مؤهل يكون دخله الشهري عشرات الآلاف في بلادنا؟ يجب وضع حد لذلك.

ويعز عليَّ أن أزور إدارة حكومية وأرى من فيها محبطين مكشرين عابسي الوجوه لا يبدو عليهم حبهم لعملهم ومعنوياتهم متدنية، ومديرهم متمترس خلف عدد من السكرتارية في مكتبه الفاره، والذين يمنعونك من التحدث معه بحجة الانشغال الشديد في تطوير العمل، ليس هذا فحسب بل لا يتعب نفسه بالمرور على العاملين معه في مكاتبهم والشد على أيديهم بكلمة تشجيع ترفع معنوياتهم وتزيل تكشيراتهم وعبوسهم.. إنها مسؤولية ذلك المدير المتخاذل الذي لا يهمه إلا مجد نفسه، خلل كبير في العقلية ومنهجية التفكير، هذا هو السبب.

ويعز عليَّ ألا أرى المثقف وقد علم أولويات وطنه وتحدث عنها بمعرفة متناهية وأصر على الحديث عنها حتى يساعد في حلها والقضاء عليها، كما يعز عليَّ ألا أرى اختلاف التنوع بين مثقفي وطني، بل مواجهة واتهامات وجدل لا يليق بهم ولا بمكانتهم العلمية وأحيانا كلمات بذيئة، لا يجب أن يسمعها الآخرون في القنوات الفضائية ممن يعدون الواجهة المشرقة لبلادنا فإذا بهم واجهة أخرى نطل من خلالها على الآخر.

ويعز عليَّ ألا أرى مخترعي وطني وقد أخذوا مكانتهم الحقيقية وأخذت مخترعاتهم طريقها لتصبح شركات ومصانع تسهم في اقتصاد الوطن لأنها تمثل "اقتصاد المعرفة" الذي لا ينضب والذي يشكل 50% الآن من اقتصاديات العالم المتقدم، الذي يسعى حثيثاً أن يشكل اقتصاد المعرفة لديه 100% بالتركيز على العقليات التي تخترع بل وسرقتهم من بلدانهم الأصلية وإعطائهم مميزات لا يحلمون بها من جنسية ومال إلى غير ذلك من المميزات.

يعز عليَّ أن نتأخر هذا التأخير المخل في الدخول لعالم المعرفة لنبني اقتصاد المعرفة الذي لا يمكن بناء الأوطان في هذا العصر إلا به، وكما قال خبراء "العصر الرقمي": "من السخف ألا نعيش العصر الرقمي في العصر الرقمي"، أعرف أن خطتنا العشرية القادمة ستركز بالكامل على هذا الموضوع لكن ذلك سيستغرق وقتا ومخترعونا ومخترعاتهم جاهزة للتطبيق من الغد.. في (ام آي تي) و(هارفرد) لا يستغرق الاختراع أكثر من شهر لتحويله إلى شركة تسهم في الاقتصاد.

وأخيرا يعز عليَّ أن يرى أي مواطن خطأ أو خللا أو قصورا ثم يعتقد أنه ليس من مسؤوليته، ولا يحرك ساكنا.. والحكمة تقول: (إذا كنت جاداً ستجد طريقاً وإذا لم تكن ستجد عذراً).. وهذا وطن ولا مجال للعذر، وخلاصة القول إذا سافرت ووجدت الجميل والسار هل تفكر في كيف تسهم لينتقل ذلك الجمال وذلك الأمر الذي يسر إلى وطنك؟ سؤال صغير له مردود عظيم.