م. عايض الميلبي


تنتشر في الأوساط العربية ثقافة غريبة، لا أدري كيف تشكلت، ولا من أين بدأت؟ كل ما أعلمه أنها أثرت بشكل سلبي على مجتمعاتنا، فجعلتها ترنو بعيداً، خارج أسوار الواقع، تود التخلص من متاعبها وهمومها في غمضة عين، وبمساعدة قوة خارقة تفعل كل شيء، وتحقق كل حلم، إنها ثقافة انتظار المنقذ؛ بمعنى أن ما أريده كشخص - مثلا - سوف أناله بطريقة غير تقليدية، وربما هذا من أسرار اعتمادنا على "الواسطة" في كثير من شؤون الحياة، ثمة تهميش للقدرات الشخصية، مقابل المراهنة على قدرات خارجية حتى لو كانت نسجاً من الخيال، تجد أحدهم يبدد أوقاته سارحاً في أحلامه الوردية، وهو لا يملك الأدوات والأسباب التي توصله لما يريد، ولا يفكر في كيفية امتلاكها، بل دائماً وأبداً يجنح للخيال هروباً من الواقع المعاش.

إن الركون إلى المخلص، وجعل الانعتاق من المشكلات والإحباطات رهن قدومه، أمر يعاني تبعاته كثير من شعوبنا العربية؛ وبالتالي تقدم العالم وأنتج وأبدع، أما العرب فظلوا مستهلكين لما يُنتج غيرهم، كل جهة ترمي أسباب الفشل والتخلف على الأخرى، وفي الوقت ذاته تنتظر أمراً ما بحدوثه تتغير الأحوال وتتبدل، وهذه صارت ثقافة متوارثة، أشبه ما تكون بجين وراثي يتنقل من جيل إلى جيل.

يبدو أن لدينا مشكلة في نمط التفكير لا بد من إعادة النظر فيها، فعلى المستوى الفردي، كثر أولئك الذين يتحدثون عن القادة أو العلماء السابقين وما رافق عهدهم من حضارة ورقي، ليس من دافع حث الهمم والعمل الجاد، بل يتناولون ذلك من باب تمني قدوم من يماثلهم في عصرهم الراهن، ومثل هؤلاء يفوتهم أن بناء حضارات الأمم يتطلب جهداً جماعياً، وثقافة إيجابية تحفز الأفراد على بذل الأسباب في سبيل الوصول للمجد، ونيل المآرب، أما الأماني الواهية فهي بلا شك رؤوس أموال المفاليس، وما يلحظه المتابع للشأن العام هو أن النقد واللوم بات سمة بارزة لواقعنا، وارتفع سقفه على حساب الإنجاز الحقيقي، والسبب أن البعض لا يبادر بحل ما يخصه من مشكلات، إنما ينظر لغيره على اعتبار أن الحل يبدأ من جهته.