سئل أحد العلماء: متى نبدأ في تربية الطفل؟ قال: قبل مئة عام من ولادته! قيل: وكيف؟ قال: ذلك بأن نربي والديه ونربي أجداده الأربعة!

مقولة تبعث على العجب والاستغراب! فالأسرة بجميع أفرادها هم القدوة والمثال والحزام الواقي له من دواهي الزمن. وفنون هذه الآونة في تاريخنا هي الحلقه الأضعف! إذا ما أردنا أن ندقق في كل ما يتعاطاه أطفالنا من كل جديد ومستحدث إذا ما غاب الوعي الفردي والقومي على حد سواء.

فالإعلام والتقنية الإلكترونية والأفلام والمسلسلات الخاصة بالطفل أمر يجب التدقيق فيه. وبما أن المسرح قناة هامة في تكوين الطفل بشكل عام وجب علينا الاهتمام به ونشره في كل شارع وحارة ومدينة، وذلك كي يكون حائط صد لما يتخلل ذهنية أطفالنا طوال اليوم فينقيها ويعيدها إلى صفاء ونقاء الذهنية الأم، ولا مناص من استلهام التراث وتوظيفه في هذا الصنف من الفنون للحفاظ على تكوين الشخصية نفسها والتي تتكون في السنوات المبكرة.

فتناول الموروث الشعبي في فنون الطفل أمر هام في ضوء ما يتابعه الطفل العربي من فنون مستوردة ذات أهداف لا أظنها بريئة، فربما تزلزل هوية أطفال الجيل وما يتبعه! فالطفل العربي بطبيعته يتمتع بسيكولوجية خاصة وإن كان الطفل على وجه العموم. فالموروث الشعبي بما يحمله من زخم المعرفة وكثافة التلقي ينوء بها كاهل الأدب العالمي بكل ما يحمله من جماليات وخيال ووسائل تنويرية وتوعية وتنمية؛ فكل هذا الثراء جعل المهتمين بأدب الأطفال في العالم ينهلون منه بلا هوادة بمن فيهم "برتولت برخت" و"شكسبير".. إلخ.

فكيف ننتزع طفلنا العربي من براثن الأفلام الكرتونية المستوردة بما تحمله من فكر غريب؟ إنه يزداد تعلقا بأفلام الرسوم المتحركة مثل "ميكي ماوس" و"دونالد داك" و"توم وجيري" و"بات مان"، وذلك لأنه يجد فيها متعته بأسلوب فكري يتناسب وطبيعة تفكيره، فالصناعة الكرتونية الأجنبية تبهر الكبير والصغير إلا أنها تقدم قيماً مختلفة.

فالرسوم الأميركية على سبيل المثال تقدم قيما تتحدث عن قدرة الصغير في الانتصار على الكبير كما في "توم وجيري" و"ميكي ماوس"، أي البطوله الفردية! مثلما تقدم السينما الأميركية من أفلام تمجد البطولة الفردية كنوعية أفلام "فان دام" أو "جيمس بوند"، والرسوم المتحركة في الأفلام اليابانية تقدم قيما فكرية عن روح التعاون وقوة الاتحاد مع الجماعة، وهي نفس القيم التي تدعو إلى الشرف والفضيلة في السينما اليابانية. والرسوم المتحركة في بلاد الشرق الأقصى وروسيا تقدم قيما تدعو إلى التعاون، وأن الفرد في خدمة المجموع فتتبنى الأفكار الاشتراكية.

وهي أفكار وقيم تحفر في وجدان الطفل العربي مع غياب الدور الرقابي في مواجهة مثل هذه النوعيات من الأفلام مع الإقبال المتزايد عليها في التلقي مما يقلص دور المسرح. الموروث الشعبي بما يحمله من آليات جمالية يعوض هذا الطفل إذا ما استخدم في إطار يتناسب وآليات التقدم الفكري والحضاري. يقول عبدالتواب يوسف -وهو متخصص في هذا المجال-: "إن مجموعة من الحكايات الشعبية التي توضع فيها الأشياء القديمة بلا ترتيب يلعب بها الطفل ومضمونها مطلوب. إنها قطع فنية قديمة لم تتحطم كاملا أو نعتبرها من سقط المتاع.. إن الأطفال يقبلون على هذه الحكايات لاحتياجهم لها". إننا نرى تأثير "ألف ليلة وليلة" في حكاياتها على الطفل العربي حيث إنها تسهم في طرح مجموعة من المشاكل، منها:

"عدم إمكانية الانحياز إلى جانب إحدى الشخصيات وكذلك تنمية ما يسمى بعقدة أوديب أو "الكترا"، وهي سلسلة من التجارب المؤلمة المربكة التي يصبح الطفل من خلالها هو نفسه بحق إذا ما نجح في الانفصال عن والديه، كما أن حكاية السندباد البحري على سبيل المثال، ليست رحلات بحرية فقط بل إنها رحلات للنفس البشرية بشقيها "الأنا "و"الآخر"، وحين ينفصلان ثم يتحدان عندما تتواءم النفس وتلتئم ذاتيا دون انفصام".

فهذا التراث الشعبي منذ الملاحم حتى السير الشعبية لم يغب عن كتاب مسرح الطفل، فقد نهلوا منه الكثير في محاولاتهم لإثارة التوعية والتعلم: "تجارب السيد حافظ الذي عمل على تسييس مسرح الطفل متحديا بذلك بعض الانتقادات، ففي مسرحية أبو زيد الهلالي استقاها من قصص السيرة الهلالية، ذلك النص المليء بالدلالات الإيحائية عن اغتصاب الأرض والوطن. فقد اعتمد على أسلوب ما يمكن أن نطلق عليه بالمسرح المشارك حيث يشارك الحصان والكلب، ويزاحمهما أيضا في السرد الجمل الخشب مع توظيفه للمنهج البريختي في كسر الحائط الرابع ليشارك الأطفال في أحداث المسرحية، إذ يقوم التغريب هنا بوظيفته الجمالية والفكرية، فالجمالية تعوده على اكتساب القدرة على تقبل المثير والغريب والمدهش عن طريق الحيل المسرحية التي يوفرها فعل التباعد، أما الفكرية فوسيلة لشحن ذهنه بالأسئلة المعلقة لتعوده على حل ألغازها وإرجاع العلل إلى أسبابها وليكسب بعد ذلك موقفا عقليا، كما أنها تعمل على تنمية إحساسه بالمفارقات وتحديد مواطن الغرابة ليتهيأ من ثم إلى إدراك مواطن الخلل فيكون إنسانا سويا يملك الاستقلالية في التفكير وأخذ القرار".

إن هذا الاستلهام يعمق عند الطفل أصوله بما يحمله من خطاب أخلاقي، وهو إنصاف المظلوم والنضال من أجل استرداد الحق والتشبث بقيم الشجاعة والشهامة والمروءة.

هذه بعض المحاولات؛ ولكننا لا نرى ما يقدم لأطفالنا عبر وسائل وتقنيات ما يبحر في التقنية المسرحية، فالطفل ينعم بخيال واسع يتلاءم وذلك الخيال الواسع في التراث الشعبي مما يخلق نوعا من العقبات في سبيل التلقي واستيعاب الخطاب؛ فينصرف الطفل عن عالم المسرح ويهرع إلى عالم وسائل أخرى محققا نوعا لا بأس به من المتعة والإبهار. فلاستلهام التراث العربي أهمية قصوى في نحت الشخصية منذ الصغر، فالرجل ابن ست سنوات كما يقال. كما أننا نلحظ تعلق الأطفال الآن بـ"الآي باد" وهو يحمل كل ما ذكرناه، فهل من تقينة وفنون عربية تحفظ لنا هوية الجيل القادم؟! وهل من أسرة واعية؟