هل تبخرت أحلام ما يقارب الاثني عشر ألفا من خريجي أقسام اللغة العربية في الجامعات السعودية، وتفرقت دماء قضيتهم بين الجامعات التي خرجتهم ووزارة التربية والتعليم التي رفضت تعيينهم أوحتى الإنصات لمطالبهم بحجج وأعذار مختلفة و"طوام" أكبرها عدم الحاجة لهذا التخصص؟ ووصفنا هذا العذر بالطامة لأنه أقوى المانشتات التصريفية التي يقابل بها أي خريج مسكين "شايل ملفه بيده" فينزل على رأسه كالصاعقة ؟سأتجاوز الجامعات التي صنعت المأساة بسوء تقديرها لحاجة سوق العمل من التخصّصات ودفعت بمخرجات تحوّلت تلقائيا إلى أرقام طازجة في بورصة البطالة المتنامية وكبدت البلاد الخسائر الفادحة. لن أركّز على سوء صنعها في هذا الموضوع لأن الفأس قد وقعت في الرأس ولا ينفع البكاء والنحيب على اللبن المسكوب فلا "بكاء ينفع ولا شكوى تفيد"، وما يمكن مطالبة الجامعات به أن تستفيد من أخطائها وكوارثها السابقة بإعادة هيكلة تخصّصاتها بما يتناسب مع احتياجات التنمية. الأصابع تشير فقط إلى وزارة التربية كونها الجهة التي تفتح ذراعيها لمثل هذه النوعية من التخصصات لتسد بها النقص في سلك التدريس. قد يقبل خريجو اللغة العربية بعذر الوزارة وتأكيداتها المستمرة بعدم حاجتها لتخصصاتهم لولا أن الوزارة قد ارتكبت وعلى مدى السنوات الماضية أخطاء بدائية بتعيين خريجين من تخصصات الدعوة وأصول الدين والدراسات الإسلامية والشريعة ليقوموا بتدريس مواد اللغة العربية في المدارس وهي أخطاء تضعف من موقف الوزارة وتقوي حجة العاطلين بأمرها وتثبت أحقيتهم بالتوظيف فهم أولى بتخصصهم من غيرهم.

ليس من المنطق أن يدفع الخريجون ثمن سوء تخطيط من لم يحسنوا تقدير الأمور واستشراف المستقبل وضريبة انعدام التنسيق بين الجامعات وقطاعات الدولة المختلفة. بيد وزارة التربية فقط حل مشكلة هؤلاء العاطلين كما حلت مشكلات غيرهم. يمكنها مثلا اتخاذ قرار عاجل بقصر تدريس اللغة العربية على المتخصصين فقط. يمكنها أيضا تخفيض أنصبة المعلمين إلى عشرين حصة وبحسبة بسيطة فعدد المعلمين والمعلمات حاليا يقدر بخمسمائة ألف وهذا التخفيض يؤدي إلى توافر مليوني حصة تحتاج لمائة ألف معلم ومعلمة في كل التخصصات وتكون الوزارة بهذا الإجراء البسيط قد ضربت أكثر من عصفور بحجر واحد.. على الوزارة أن تحل المعضلة بأسرع وقت كي لايطول انتظار العاطلين على أبوابها.