يعاني عدد يستحق الاهتمام في المملكة وغيرها من حالة مرضية تسمى "اضطراب الهوية الجنسية"، تجعل من الصعب على المريض التعايش مع بني جنسه، ويصبح نفسا ذكورية محبوسة في جسد أنثوي، أو العكس، ويصبح الشخص مواجها بالمشاكل في حياته العملية والأسرية؛ بسبب تعامل المجتمع معه؛ وللأسف يظن البعض ـ دون علم ـ أن تصحيح هذا الوضع مخالف للشرع.

يلخص هذه المعاناة وحلها سؤالان وردا إلى اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة الأول نصه: "نشاهد ونقرأ في بعض الصحف عن عمليات يقوم بها بعض الأطباء في أوروبا يتحول بها الذكر إلى أنثى والعكس، ما رأي الإسلام في ذلك؟"، وأجابت عنه اللجنة في شخص رئيسها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، ومن معه ـ رحمهم الله ـ بالجواب التالي، وأقتصر منه على الشاهد: "قد يشتبه أمر المولود فلا يُدرى أذكر هو أم أنثى، وقد يظهر في بادئ الأمر أنثى وهو في الحقيقة ذكر أو بالعكس، ويزول الإشكال في الغالب وتبدو الحقيقة واضحة عند البلوغ فيعمل له الأطباء عملية جراحية تتناسب مع واقعه من ذكورة أو أنوثة، وقد لا يحتاج إلى شق ولا جراحة، فما يقوم به الأطباء في مثل هذه الأحوال إنما هو كشف عن واقع حال المولود بما يجرونه من عمليات جراحية، لا تحويل الذكر إلى أنثى، ولا الأنثى إلى ذكر، وبهذا يعرف أنهم لم يتدخلوا فيما هو من شأن الله، إنما كشفوا للناس عما هو من خلق الله".

وبعد مدة سئلت اللجنة مرة أخرى سؤالا مشابها فيه: "هل يجوز في الإسلام أن أجري عملية تغيير جنس أتحول فيها من رجل إلى امرأة؟ لقد ولدت ذكرا، وحتى الآن أنا ذكر من الناحية الفيزيولوجية، وأجد في نفسي ميلا وانجذابا نحو الذكور عاطفيا وجنسيا، ولا أستطيع أن أعبر عن أنوثتي؛ لأن جسدي ذكر"؟ وكذلك أجابت اللجنة بنفس أعضائها السابقين قائلين: "اعرض نفسك على أهل الخبرة من الدكاترة الأخصائيين، فإذا تحققوا أنك ذكر في مظهرك، وأنثى في واقع أمرك فسلم نفسك إليهم ليكشفوا حقيقة أنوثتك بإجراء العملية، وليس ذلك تحويلا لك من ذكر إلى أنثى، فهذا ليس إليهم، وإنما هو إظهار لحقيقة أمرك، وإزالة لما كان ببدنك وكوامن نفسك من لبس وغموض..".

شخصيا أعرف مجموعة تعاني من هذه الحالات، وسررت كثيرا بالتعميم الذي أصدرته وزارة الصحة قبل أشهر، وفيه أن وزارتي العدل والصحة هما من يحددان مصير المتحولين جنسيا إذا "اختلفت الأسرة"، وأن هناك لجنة من القطاعات الصحية، والجمعية السعودية للدراسات الفقهية، ووزارتي الداخلية والعدل لدراسة حالات التحول الجنسي، وكتابة تقرير عنها، وأن التقرير يخضع للمراجعة من لجنة طبية مكونة من ثلاثة استشاريين على الأقل في تخصصات غدد الأطفال، وجراحة المسالك، وغدد الكبار، والصحة النفسية.

حالات الاضطراب في الهوية الجنسية لا تحددها إلا الوسائل العلمية، ومن اللازم الفصل التام بين الاضطراب الجنسي، والرغبة في تغيير الهوية الجنسية، ومن الفتويين المتقدمتين ـ ومثيلاتهما ـ يظهر وبوضوح أن حكم التصحيح الجنسي ليس شذوذا، ولعلها فرصة لدعوة المجتمعات الرافضة للتصحيح بأن تتقي الله فيمن تعول، كما أتمنى من الذين يعانون من الحيرة في هذا الأمر سرعة تشكيل لجان متعددة التخصصات تكفل للمرضى بالاضطراب الجنسي التمتع بحياة حقيقية، ومقبولة من الجميع.