"الوظيفة أولاً ثم الزواج"، كانت هذه نصيحة والد صديقتي حين أخبرته عن رغبتها في الزواج، وحينما سألت الابنة عن أهمية العمل طالما أن هناك من سيقوم بالصرف عليها، رد عليها الأب قائلا: "لا أثق تماماً بأي رجل ولنضع أسوأ الاحتمالات، حينما تقررين الانفصال عنه، حينها سيكون قرارك قوياً لأنك لستِ بحاجة إلى تحمل المزيد من قرفه"، هذا الحوار أكتبه كما سمعته من الصديقة التي لم تكن للحظة مقتنعة برؤية والدها، إلا حينما امتلأ قلبها بالحزن والأسى، وحينما تحول الحب والعشرة إلى شيء وحيد تكرهه أكثر من ذاتها.

رأي الأب ربما قارب الحكمة الجليلة، حيث أصر على أن عمل ابنته قبل أن تتزوج، وذلك رغبة منه في حفظ مكانتها النفسية، فالعمل ليس مجرد راتب يأتي إلى الحساب البنكي في نهاية كل شهر، إنما هو قيمة بحد ذاته، يمنح الكثير من الثقة للنفس، ويقودها إلى التفكير والتحدي، ومحاولة الظهور والبروز على السطح، إلى جانب الأمان الاجتماعي والنفسي الذي يوفره، فلا يعود المرء بحاجة إلى أن يطلب من أحد والديه مصروفا شخصيا، فيتحرر من جميع الهواجس التي تؤنبه بأنه فرد غير صالح ولا أهمية له.

ولنعود إلى موضوع الوظيفة أولاً ثم الزواج، ومفهوم الأب الذي غير من خارطة أفكاري، هل هو استباق لتطهير الجرح قبل وقوعه، أم أن ما دعا إليه الأب هو الاحتراز من الوقوع في مشكلة كبيرة، حينما يصبح الزوج شخصا غير جدير بالعيش معه، وبات الطلاق أفضل وأهم الحلول للخلاص من المأزق، لذا فعودة المرأة إلى بيت والدها، لن تكون ذات ثقل، طالما أنها ستعول نفسها، لكني كنت مخطئة حينما جلست مع عدد من النساء في مجتمعي، واكتشفت أن المسألة التي كان ينظر إليها والد صديقتي، هي أبعد مما أظن وأتصور.

فالرجل السعودي في أقل من ساعة واحدة فقط، يمكن أن يذهب إلى المحكمة ويطلب الطلاق من أم أبنائه، ويفترض أن الزوجة من الطبيعي أن تتقبل هذه المشكلة الكبيرة التي ستلتزم بها طوال حياتها، إذا لم تبحث عن رجل آخر لكي "يستر" عليها، أصبح الطلاق في وطني أسهل بكثير من الزواج أو من بناء بيت أو التفكير بالسفر إلى جزر الكناري، الأمر في غاية السهولة فلا ضوابط ولا رقابة ولا تشريع ولا.. ولا.. يمكن للرجل أن يتخلص من زوجته دون أدنى شعور أو اعتبار لما سيؤول عليه حال زوجته وأطفاله، والأدهى من كل هذا، قدرة الزوج على التهرب من إعالة أبنائه، فيترك الجمل بما حمل، دون أن يهتز له جفن ودون خوف من مواجهة القضايا في المحاكم، وهو واثق تماماً بأن زوجته المغلوبة على أمرها لن تقوم بذلك، فالأمر يحتاج إلى طاقة نفسية كبيرة، وإلى دعم أشد من الأسرة، وهذان الأمران على الأغلب لا يتوفران لدى نسائنا، لذا، فالرجل المُطلّق يخشى من نظام "ساهر" أكثر من خشيته من قضية "النفقة" مثلاً، وهو واثق تماماً أن المرأة حينما تطلق فهي تحاول حفظ الود بينها وبينه، إما خوفاً من التشهير بها أو خوفاً على مشاعر أطفالها.

في جعبتي الكثير من الأسئلة، وأحلم بإيجاد إجابة تشفي غليلي، هل للمرأة في وطني محكمة تخصها وحدها، يمكن أن تذهب إليها دون خوف أو خشية من النظرات التي سوف تلاحقها؟ وإذا لم ينفق الرجل على أطفاله، فهل هناك قانون يسمح للدولة بأن تقتص من راتبه دون العودة إليه، وتحويله إلى حساب الأم إذا كانت تحتفظ بأطفالها؟ السؤال الأخير الذي أتمنى تماماً سماع إجابته، لماذا لا يخاف الرجل حينما يطلق؟ وأظن الإجابة الوحيدة بأنه لا يوجد هناك قانون، ولو كان قانون النفقة والطلاق مثل نظام "ساهر"، لفكر الرجل ألف مرة قبل أن يقدم على هذه الخطوة.

في إحدى الدول الخليجية، حاولت هذه الدولة أن تحد من مسألة الطلاق، فعمدت بقرار لا خلاف فيه ولا عبث، بأنه يحق للزوجة أن تظل في البيت معززة ومكرمة إذا كان لديها أطفال، وأن تتم إحالة نصف راتب الزوج شهرياً إلى حساب الزوجة، لأنها المسؤولة عن رعايتهم، أظن أن هذا القرار هو القرار الأكثر حكمة والأكثر إنصافاً للمرأة، ما يسمح لها بحفظ وصون كرامتها، بدلاً من "البهدلة" التي يمكن أن تتعرض لها.

لقد لاحظت قبل فترة أن هناك نساء مطلقات، يتخلين عن رعاية أطفالهن للزوج، وحينما سألتهن عن سبب ذلك، أجبن بأنهن لا يملكن وظائف حتى يستطعن الصرف على أطفالهن، وأن أسرهن ليست متكفلة برعاية أبناء زوجها، وأنها إلى ذلك تطمح في الزواج مرة أخرى، وأنها لو اتبعت قلبها وتكفلت بأطفالها، فلن يصلها من زوجها أي مبلغ يمكنها من الإنفاق عليهم، وأن كل ما سيفعله الزوج أن يفكر بالزواج من أخرى، دون التفكير بنتاجه السابق، وكأنهم خرجوا من حياته بلا رجعة، لذا، فلا بد أن تسبقه وأن تفكر جيداً في مصلحتها قبل أن يفعل هو ذلك.

الأمر مزعج جداً، والتفكير بالحياة الأسرية بات مقلقاً في مجتمعي، لا بد من وجود مؤسسات ومراكز استشارية للزواج والطلاق، وإلا سيكون لدينا جيل مهان في مشاعره.