استضافت جدة الخميس الماضي "11 سبتمبر" مؤتمرا لوضع استراتيجية في مواجهة "داعش" والمنظمات الإرهابية الأخرى في المنطقة.

في ختام الاجتماع أعلنت الدول الممثلة في الاجتماع ـ دول مجلس التعاون والأردن والعراق ولبنان ومصر والولايات المتحدة الأميركية ـ في البيان المشترك عن "التزامها المشترك بالوقوف متحدة ضد خطر الإرهاب بجميع صوره، بما في ذلك إرهاب ما يُسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام". فهل ينجح هذا التحالف؟

هناك ظروف مستجدة يمكن أن تجعله ناجحا هذه المرة، فهناك حكومة جديدة في بغداد تبدو ملتزمة بتجنب السياسات الإقصائية التي ميزت الحكومة السابقة، وساعدت "داعش" على النمو، بسبب التمييز والعنف الموجهين ضد بعض مكونات المجتمع العراقي؛ ولذلك رحب الوزراء بتشكيل هذه الحكومة، وعبروا عن دعمهم للخطوات التي أعلنت عن اتخاذها "لتحقيق مصالح جميع العراقيين، بصرف النظر عن طوائفهم وأعراقهم، وتوحيد العراقيين كافة في مواجهة "داعش".

وأزال الوزراء أي شكوك حول ما إذا كان التحالف موجها لمجابهة "داعش" في العراق فقط، إذ نص بيانهم على أن الهدف هو "القضاء على "داعش" أينما وُجِد، بما في ذلك العراق وسورية". واتفقت الدول الممثلة في اجتماع جدة على أن "تتحمل كل منها مسؤوليتها" في مواجهة "داعش"، بما في ذلك إيقاف سيل المقاتلين الأجانب، وتمويل التنظيم والمجموعات المتطرفة الأخرى، والرد على أيديولوجيتها، والإسهام في أعمال الإغاثة، وإعادة الإعمار والتأهيل للمناطق التي دمرها "داعش".

كما وافقت على المشاركة في الحملة العسكرية ضد التنظيم، "متى كان ذلك مناسبا"، وفي الليلة السابقة لاجتماع جدة، ألقى الرئيس أوباما خطابا خصصه للموضوع نفسه، وحدد أربعة عناصر للاستراتيجية الأميركية:

الأول: تكثيف "الضربات الجوية"، التي بدأت في أغسطس، إذ قال إن أميركا "لن تتردد في مهاجمة "داعش"، سواء كان في سورية أو العراق".

الثاني: هو زيادة دعم القوى التي تحارب تنظيم "داعش" على الأرض، وقال إن أميركا أرسلت في شهر يونيو فريقا مكونا من "مئات" المستشارين لتقييم الوضع في العراق، وبناء على هذا التقييم سترسل "475" عنصرا جديدا، والهدف من هذه القوات "تقديم الدعم للقوات العراقية والكردية، بالتدريب والأجهزة والاستخبارات"، كما ستقدم أميركا الدعم لجهود العراق في تعزيز وحدات "الحرس الوطني" بما يساعد المناطق السنية على التخلص من سيطرة "داعش".

وحول سورية أعلن الرئيس أن أميركا قد زادت بالفعل الدعم العسكري للمعارضة السورية، وكرر مطالبته للكونجرس بمنحه التفويض والموارد اللازمة لتدريب مقاتلي المعارضة وتسليحهم. وأزال الرئيس أي أوهام بأن النظام السوري يمكن أن يكون شريكا، قائلا: "في الحرب ضد "داعش"، لا يمكننا أن نعتمد على نظام الأسد الذي يمارس الإرهاب ضد شعبه، وهو نظام لا يمكن أن يستعيد أبدا شرعيته التي فقدها. وبدلا من ذلك، يجب أن نقوّي المعارضة كبديل للمتطرفين أمثال داعش".

الثالث: هو مضاعفة جهود "مكافحة الإرهاب"، بما في ذلك القضاء على تمويل "داعش"، ووقف تسلل المقاتلين الأجانب، ومواجهة فكره ورسالته. وأعلن أوباما أنه سيرأس اجتماعا لمجلس الأمن في نهاية الشهر لحشد الدعم الدولي لتلك الجهود.

الرابع: هو استمرار المساعدات الإنسانية للمدنيين الذين تضرروا من "داعش".

هذه هي الاستراتيجية الأميركية. ليس فيها تهديد باستخدام كامل الترسانة الأميركية كما حدث في احتلال العراق، ولا بالعمل المنفرد على غرار جورج بوش، بل كما رأينا في اجتماع جدة يستمد التحالف الجديد دعمه من القرارات الدولية والإقليمية، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم "2170" ضد "داعش"، وقرار الجامعة العربية "7804" في 7 سبتمبر 2014، والتوافق الذي تم التوصل إليه في اجتماع الناتو في "ويلز"، وما توصلت إليه اجتماعات باريس ونيويورك اللاحقة.

وكان أوباما واضحا تماما هنا حين قال: "في كل عنصر من عناصر استراتيجيتنا، ستعمل أميركا من خلال تحالف واسع مع شركائنا، إذ يشارك بعضهم الآن في الطلعات الجوية فوق العراق، وإرسال السلاح والمساعدات للقوات العراقية والمعارضة السورية، وفي تبادل المعلومات الاستخبارية، فضلا عن تقديم بلايين الدولارات من المساعدات الإنسانية".

ولن تجد في هذه الاستراتيجية الوعود البراقة، ولكن غير الواقعية بالقضاء على "داعش" خلال أسابيع أو أشهر، بل قال المسؤولون الأميركيون: إن هذه الحملة قد تستغرق "سنة أو سنتين أو ثلاث"، مخفضين بذلك التوقعات بنصر سريع ضد "داعش".

وفي رأيي، هناك أجزاء من الاستراتيجية الجديدة لن تنجح دون تعاون إقليمي، فعلى سبيل المثال، في ظل إصرار أميركا على عدم إرسال قوات برية، يتعين الاعتماد على القوات الموجودة على الأرض في العراق وسورية. ففي العراق، يتطلب الأمر أن تستعيد الحكومة ثقة المناطق السنية؛ كي تتمكن من هزيمة "داعش" التي تحتمي فيها، وأن تحل محل الميليشيات الطائفية والعرقية التي استغلت الضربات الجوية لمهاجمة القرى العربية السنية التي غادرتها "داعش"، وإرهاب أهلها ومنعهم من العودة إليها. وفي سورية، يتعين على الولايات المتحدة أن تستعيد ثقة المعارضة المعتدلة، التي خذلتها في السابق، وتركتها لتواجه بمفردها بطش النظام وإرهاب "داعش" في وقت واحد.

أما مواجهة "داعش" فكريا فهي العنصر الذي لن تتمكن الولايات المتحدة من القيام به؛ لأنها لا تملك الأدوات الفكرية أو المصداقية لممارسة هذا الدور. هذه المواجهة ضرورية ويجب أن يتولاها قادة وعلماء المسلمين والمفكرون والكتاب وقادة الرأي، الذين يتعين عليهم تعرية هذا التنظيم وتجريده من عباءة الدين التي يدعيها.

أما التحدي الأكبر للتحالف الدولي ضد "داعش" فهو في الدول والقوى التي أسهمت، بشكل مباشر أو غير مباشر، في قيام هذا التنظيم وانتشاره، وهي على وجه الخصوص "إيران، والنظام السوري، وجماعة حزب الله". ولم تضع أي من هذه القوى وقتا لمهاجمة التحالف الجديد حال إعلانه؛ لأنها تعرف أن القضاء عليه يعني بالضرورة الحد من نفوذها وسطوتها.