تعيش المملكة اليوم فرحة الاحتفال باليوم الوطني، الذي نتطلع من خلاله وبكل ثقة وأمل إلى تحقيق المزيد من المنجزات التنموية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله- الذي سخر طاقات الدولة وأجهزتها ومواردها لخدمة الوطن والمواطنين.
ويأتي اليوم الوطني في هذه السنة متزامناً مع صدور قرار مجلس الوزراء بإقرار خطة التنمية العاشرة (1436 –1441هـ)، وتتضمن الأهداف العامة للخطة أربعة وعشرين هدفا، في مقدمتها المحافظة على القيم والتعاليم الإسلامية وتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ هوية المملكة، كما تدخل من بين الأهداف توسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني وتعزيز نموه واستقراره وقدراته التنافسية، وتيسير حصول المواطنين على السكن الملائم، ورفع كفاءة وإنتاجية أجهزة الدولة وموظفيها وترسيخ مبادئ المساءلة والشفافية وحماية النزاهة ومكافحة الفساد.
ومما سبق، نلاحظ أن خط التنمية العاشرة ركزت بشكل رئيس على تحسين الأداء الحكومي في مختلف القطاعات، فهذا الهدف من الأركان الضرورية لكل تنمية يراد لها الدوام والاستمرار، وهو أيضاً الأساس لتعزيز نمو الاقتصاد الوطني.
وتجدر الإشارة إلى أنه لما كان الأداء الحكومي يعتمد في إرساء وترسيخ قواعد التنمية المستدامة، فإن في ذلك دلالة واضحة على مدى المسؤولية الجسيمة المنوطة بالموظفين في الجهات الحكومية الذين يديرون عجلة العمل في مختلف القطاعات، فإن هم أدوا واجباتهم بأمانة ومسؤولية بعيداً عن المصالح الشخصية سعدوا وسعدت البلاد. أما إذا انحرف الموظفون عن أداء واجباتهم واعتبروا الوظيفة الحكومية فرصة للمتاجرة والتكسب، وسلماً للنفوذ والسلطة، فإنهم بذلك وقعوا في المحظور ولا بد عندئذ من محاسبتهم واتخاذ الإجراءات القانونية لردعهم، وعلى هذا الأساس ركزت خطة التنمية العاشرة على ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة وحماية النزاهة ومكافحة الفساد.
وفي هذا الصدد يقول الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله- إن "ضمان الاستقرار وديمومته لا يأتي بالتمني بل بالعمل الجاد لإقامة العدل بعمل منهجي منظم يقوّي مؤسسات القضاء وأجهزة الرقابة ويفعّل أدوات رصد الفساد ويعزز مبادئ النزاهة وينشر ثقافتها ويضمن بالتشريعات والأنظمة والقوانين حقوق المواطنين وكرامتهم وأموالهم وأعراضهم".
لذا فإن من أهم التحديات التي تواجه التنمية؛ واقع الأداء الحكومي وواقع الشفافية والمساءلة، فالوضع الراهن لبعض الجهات الحكومية يقول إن هناك ضعفا واضحا في أدائها، فقد كشفت تقارير صحفية مؤخراً وجود "ضعفٍ في بعض الوزارات، والهيئات الحكومية؛ التي لا يزال يعتريها سوء التخطيط، وضعف الإدارة منذ عقود رغم توافر الميزانيات الكبيرة، والدعم الإداري والمالي حتى إنها توقفت عن التطور، وتردّت خدماتها، وتعطّلت مصالح المواطنين في مختلف المجالات التنموية". هذا بالإضافة إلى ترهل بعض القيادات الإدارية في مناصبها، والتي أدت مع مرور الوقت إلى تكوين "الشلل" ونمو شبكة المصالح، والتي امتدت لتشمل الأبناء والأقارب مع غياب نموذج القدوة الحسنة، فأصبح المنصب الإداري مسخراً لخدمة المصالح الشخصية لا لخدمة المجتمع.
أما بالنسبة لواقع الشفافية، فما زالت بعض الجهات الحكومية تعمل بسرية تامة في جميع معاملاتها الإدارية سواء كانت خارجية أو داخلية، مما أسهم في زيادة مخاطر الفساد المتمثلة في الرشوة وإساءة استعمال السلطة والواسطة والمحسوبية وغيرها من مظاهر الفساد الأخرى.
وبخصوص المساءلة فما زالت الجهات الرقابية تعمل بمنهجيات قديمة تعتمد على أسلوب الرقابة الشكلية للمستندات المالية، بالإضافة إلى ضعف الرقابة على أداء الوزارات والمصالح الحكومية، وضعف الرقابة على الشركات التي تساهم فيها الدولة وكذلك المؤسسات العامة، فليس هناك تطبيق للمساءلة بمفهومها الواسع والحديث والتي تعتمد على معايير المراجعة المتعارف عليها مهنياً.
وفيما يتعلق بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ما زالت الجهود في هذا المجال دون المأمول، بالرغم من إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد خلال خطة التنمية التاسعة بالإضافة إلى عدم تفعيل مهام وحدات المراجعة الداخلية في بعض الجهات الحكومية والتي من أهمها تقييم أنظمة الرقابة الداخلية.
لا شك أن التحديات السابقة لها انعكاسات سلبية على مستوى كفاءة الاقتصاد حيث تقلب القرارات وتشوه السياسات، وتؤدي إلى نقص الخدمات والبنى التحتية وإلى رفع تكاليف المشاريع الحكومية، وزعزعة ثقة المستثمرين في الداخل والخارج، كما تضعف النشاط الاقتصادي الذي ينكمش بسبب الفساد وضعف الأداء الإداري، ويؤدي ذلك إلى النقص في العائدات الحكومية وزيادة المدفوعات لأثمان المواد واللوازم، بالإضافة إلى تسرب الموظفين الأكفاء من العمل الحكومي مما يؤثر على نشاط القطاع العام وإعاقته لتحقيق أهدافه الاقتصادية.
وتأسيساً على ما تقدم، فإن أهداف التنمية العاشرة في مجال تحسين الأداء الحكومي ومكافحة الفساد؛ ينبغي أن تكون مبنية على آلية واضحة البيانات والمعلومات، وأن تقوم الإدارات الحكومية بدورها في هذا المجال سواء كانت هذه الإدارة عليا أم متوسطة أم تنفيذية.
ولتحقيق أهداف التنمية السابقة؛ من الضروري القيام بمراجعة الأنظمة واللوائح الوظيفية والإدارية مراجعة شاملة، وسد النقص فيها ومعالجة الثغرات القانونية التي قد يدخل منها الفساد، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني لتؤدي دورها التطوعي في هذا المجال، بالإضافة إلى تطوير الأجهزة الرقابية لتحقيق دورها في مجال دعم المساءلة العامة وتحقيق الشفافية.
يقول خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله-: "إننا ندرك أن العبرة ليست في أرقام الميزانية، بل في ما تجسده على أرض الواقع من مشاريع وخدمات نوعية ينمو بها الوطن وينعم بها المواطن، ولذلك فإن على الوزراء ورؤساء الأجهزة الحكومية كافة مسؤولية تنفيذ مشاريعها وبرامجها وأداء الأعمال الموكلة إليهم بكل إخلاص ودقة.. وعلى الأجهزة الرقابية الرفع إلينا بالتقارير الدورية عن الأداء ومستوياته ومعوقاته".
حفظ الله قائد هذه البلاد، وكل عام وأنتم والوطن بألف خير.