كان جديرا أن نحيّي الوزير الفاضل الأمير منصور بن متعب وهو المسؤول المدرك حينما يقف أمام الملأ مطلع الأسبوع الجاري خلال افتتاحه معرض وملتقى تقنيات وصناعات البناء السعودي ليقول: "إن أسباب التعثر في بعض المشاريع قد تحصل من أخطاء من الأمانات والبلديات"، فلم يدافع عن الإدارات التابعة لوزارته ولم يستخدم ثقافة رمي المسؤولية على الآخرين، وهي المتبعة عيانا بيانا في مجتمعنا، وفي الأخيرة اسألوا وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية وبعضا من شقيقاتها.
هنا أستميحكم عذرا لتصححوا لي أن أخطأت، فعبر متابعة كبيرة للإعلام ومنذ زمن ليس بالقصير فيما يخص بلدنا، لم يكتب الله لي أن قرأت أو سمعت أوشاهدت مسؤولا لدينا قبل وزير الشؤون البلدية، يخرج ليعترف أن إداراته قد ترتكب الخطأ وهي المسؤولة عن ذلك، وذكروني إن نسيت، فلم يتسن لي خلال زمننا الجاري أن وقفت -مثلا- على تراجع لشيخ عن توجيه رأى بعده خلله، أو عن فتوى لم تكن في محلها، رغم أن التراجع عن الخطأ والاعتذار من صفات أهل العلم الحقيقيين. وأنا كما غيري قد عرفت هذه الصفة النبيلة في شيخينا ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، وهما اللذان سرعان ما يعودان إلى الصواب، والتاريخ يشهد لهما بكثير من التراجع، ولم يقلل ذلك من قدرهما ومحبتهما، بل رفعهما أكثر.
ونحن إذ نسعد بما كان عليه وزير الشؤون البلدية والقروية سواء خلال هذا الموقف أو مواقف أخرى مشابهة ونتمنى تعميم الثقافة التي ينطلق منها؛ إلا أننا قد نعده حالة فردية خالصة، وسط معاناة مجتمعنا من ثقافة التشبث بالرأي والموقف، حتى لو ثبت عكسه، فالاعتراف بالخطأ والتراجع والاعتذار سمة المتميزين، لكن لم يكتب الله لنا ذلك إلا نادرا، رغم أننا ننهل من شريعة سمحاء عنوانها التحاب وتدعو للتسامح والتنازل والتراجع وكل الصفات الجميلة التي تجعل من الفرد إنسانا راقيا لا مكابرا همجيا.
أعيتنا الفوقية حتى بتنا نرى الخطأ صوابا ونكمل عفنه، أليس صادرا منّا، ولا علينا من الآخرين، فهم من عليهم أن يقتنعوا بما نراه أما الاعتذار فليس من طبعنا! رغم أنه من شيم الكبار المنجزين، فغياب ثقافة التراجع عن الخطأ والاعتذار أوجد عدم قبول وعنفا لفظيا مستمرا وتنافرا لا يعلم به إلا الله، نعيش هذا ونقاسي ألمه، حتى حين التوثيق نجد الإنكار ورفض العودة إلى الحق.. ألم أقل لكم إنها ثقافة لا نحيد عنها؟!
لن نستثني بعض الدعاة من ذلك وهم يكابرون لدعم أخطائهم لأن الاعتذار ليس من شيمهم؟! أما وزراؤنا ومن يتبعهم عملا -إلا من رحم ربي- فحدث ولا حرج، مصائب وأخطاء بالجملة ولم نعرف أيا منهم قد اعترف بتقصيره، وقدم الاعتذار عن ذلك.. ألم أقل لكم إنها ثقافة يصعب علينا التخلص منها؟!
يبدو أن هذه الثقافة متغلغلة حد عدم القدرة على اقتلاعها.. لكن "ما باليد حيلة" فنراها في ميادين كرة القدم السعودية موجودة، والمكابرة والإصرار على الخطأ حاضرين بتجل، وهما موجودان أيضا بين الناس في المدارس وفي الشوارع وأماكن عملهم.
جميل القول إن الاعتراف بالخطأ والاعتذار نبل ورقي.. وكسب احترام على احترام، نحتاج لتثبيت هذه الثقافة وغرسها في مجتمعنا وبين أبنائنا وبناتنا.. إذا كنا نريد رقيا وتقدما لوطننا ومجتمعنا. فهل يتسنى لنا جعلها من طبائعنا الأساسية؟