لم يعد الأمر مقتصرا على أن يكون أحد مسيري الشأن النفطي والطاقة في المملكة معنيين بإنتاج النفط فقط، مناصب كهذه حين توكل لشخصيات ما، فإن تلك الشخصيات ليست بارعة في حساب كم برميل ننتج فحسب، وإنما أبعاد أكثر تتقنها تلك الشخصيات، أبعاد سياسية واقتصادية.
المملكة أحد الكبار في ساحة دولية، تعد المحرك الرئيس والمسيطر المهم في أسواق النفط، هذه السلعة التي حركت أساطيل وغيرت معالم الخرائط الاقتصادية، محادثات رسمية تقام لها طاولات اجتماعات ممتدة؛ لتناقش سبل استقرارها وتأثيراتها، والمملكة حين تكون حاضرة على طاولة تلك الاجتماعات، يكون الحديث عن دولة ذات ثقل ومكانة عريضة تغير بقراراتها سياسة العالم.
هذه النعمة التي حبا الله بها هذه الأرض، عزز قوتها تسنم قيادات بارعة في إدارة الشأن النفطي والطاقة، إلا أنه ومع تزايد مخاطر استهلاك تلك النعمة النافذة في كل محركات الاقتصاد في العالم، وفر الله لهذه البلاد قيادات قادرة على فهم الأبعاد الاقتصادية والسياسية، فبعد وزير البترول والثروة المعدنية الدكتور النعيمي، أتى اختيار الأمير عبدالعزيز بن سلمان مساعدا له للشؤون البترولية، إلا أن مهمة هذا المساعد لم تتوقف عند حد مساندة مسيري السياسات النفطية فحسب، وإنما بات ينهض بمهام أكبر، ويباشر ملفات أوسع، مكنت وزارة البترول والثروة المعدنية من أن تلعب أدوارا أخرى في المحافظة على ثروة هذه البلاد.
الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الذي حصل على درجة البكالوريوس في العلوم بالإدارة الصناعية من جامعة على حدود حقول النفط السعودية، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ونال الماجستير فيها أيضا عام 1985، تمكن باقتدار من لعب دور مهم في مجابهة مخاوف استهلاك الطاقة محليا.
المملكة شهدت تطورا اقتصاديا وصناعيا غير مسبوق خلال العقود الماضية، مما أدى إلى زيادة الاستهلاك المحلي للطاقة، وبناء على الأنماط الحالية للاستهلاك المحلي من الطاقة، فإن التقديرات تُشير إلى أن هذا الاستهلاك سينمو بمعدل يتراوح بين 4%، و5% سنويا حتى عام 2030، ومع أن هذا النمو في الطلب يُعزى بصورة أساسية إلى النمو الصناعي وتنامي الرفاهية الاقتصادية في المملكة؛ فإن جزءا كبيرا منه نتج عن عدم الكفاءة في الاستهلاك.
في هذا الملف برع عبدالعزيز بن سلمان. يقول في مقالة نشرتها مجلة منتدى أوكسفورد للطاقة: "في حين تمكنت غالبية الدول من خفض كثافة الطاقة في اقتصاداتها، شهدت كثافة الطاقة في المملكة زيادة كبيرة على مدى العقدين الماضيين، وهذا يحتم على المملكة من الناحية الاستراتيجية أن تجعل ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة من أولوياتها الرئيسة"، إذ بدأت المملكة أول برنامج وطني لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة، وصار ذلك من أولوياتها.
عبدالعزيز بن سلمان، ليس ذلك المسؤول البارع في مسؤولياته بتسيير الطاقة بالمملكة وترشيد استهلاكها فحسب، ولكنه إنسان يملك تواضعا كبيرا يأسر كل من يحتك به في أي مناسبة، وهنا نتذكر الكثير من الاجتماعات التي كان يحضر فيها حس دعابته وتواضعه، قبل براعته في قيادة الملفات النفطية والبترولية.