هل سألت نفسك عن معنى كلمة وطن؟ وهل تعرف حدود وطنك إذا ما عرفته؟ وهل تعرف الفرق بين الوطن والمواطن ثم المواطنة؟!
أسئلة قد تبدو ساذجة و"عبيطة"!، إلا أنني أعلم علم اليقين، أنك لا تعرف الإجابة عنها!، ولا تعرف الفرق بين حق الوطن عليك وبين حق المواطنة، وبين الهوية وبين الأمة، وبين كثير من الحدود!
من الذي أعطاك الحق في الحرب بالوكالة؟ وهل استفتيت الملايين في توكيلك عنهم؟ أنت مجرد فرد في مجتمع يرفض أفكارك التي تفرضها عليه بحد السيف، ولم تعلم أن الطاعة والاتباع لا يأتيان إلا بالحسنى وبالعلم وبالمعرفة!
من الذي علمك هذا الطريق الأعوج الذي تسلكه فلا تصل إلى حارة إلا وتجد سدا يعيق مسيرتك بلا شك؟، من الذي أفهمك أن العنف سيأتي إليك بالخلافة؟ والملك، والصولجان، والهيلمان؟ أليس أحرى بك أن تدرس علم التلقي؟ وكيف يكون تقبل الفكر والأفكار؟ ألم تفتح كتابا في علم نفس الحروب، وعلم نفس التخابر، وعلم نفس الإقناع، وغير ذلك من حدود المنبه والاستجابة؟!
من الذي ترك أبناءنا في مهب التلاعب بالعقيدة والوجدانيات؟ ألسنا كلنا موحدون بالله ومسلمون وقوامون الليل ومصلون صوامون بالنهار؟
أيا حامل راية إسلامية: ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن دماءكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"
وما أعظم حرمة ذلك اليوم "يوم عرفة"، وما أعظم حرمة ذلك الشهر "شهر الحج"، وما أعظم حرمة هذا البلد الطاهر الأبي؛ الذي يأبى إراقة الدماء والتجارة بالدين، فهل شققت عن صدور كل هذه الملايين؟!
إن تسرب هذه الأفكار إلى عقول أبنائنا وشبابنا لم يأت بالصدفة! وإنما أتى بذلك السيل الهادر من الإعلام غير المسؤول دون زراعة حق الوطن ودون تحقيق كيفية حق المواطنة!
للأسف الشديد، ونقولها بكل أسف، إن القائمين على الإعلام في بلادنا غير مؤهلين لهذه المهنة الخطيرة؛ وليس في الوقت الراهن فحسب وإنما منذ عصور مضت، فالإعلام ليس بخطابة وليس بمنبرية، فالخطاب المنبري لا يأتي إلا بالعكس؛ لأن العربي بطبعه متمرد عنيد لا يقبل الأمر والتوجيه!
الوطن غال أيها الداعشي مهما تعددت الأفكار والآراء، فهل علّمنا أبناءنا معنى كلمة وطن؟
فماذا تعني إذن كلمة وطن؟ وهل نفهم مصطلحها؟ وهل نستجوب آفاق عقولنا الرحبة والضيقة في ذات اللحظة عن ماهية الوطن؟
سألت إحدى تلميذاتي، وهي خريجة جامعية ومتفوقة، وانتهت من تعليمها الجامعي، وبدأت تعمل في العمل المهني المهلك، والمبدد للطاقة لمن لا يستثمرون عقولهم. وأنا أصف لها لقائي مع التاريخ، تاريخنا الذي لم يخلق مثله في البلاد، وذلك على عتبات المتحف الوطنى بالرياض، فقلت لها جلست على الأرض، وتحسست الماء المتدفق على عتباته، وتحسست أوراق الشجر، وخشونة الحجر، وكل شيء يدب في أركانه، وأول شيء فعلته قبل الولوج إلى ردهاته أنني جلست على الأرض لبضع دقائق أبكي، لماذا ؟ لا أعرف!
فجاوبتني هذه الشابة التي اكتشفت أن مثلها كثير من الشباب، وقالت وما الذي فعله لنا الوطن؟!
حقيقة؛ فتحت فمي حتى تمزقت أشداقي من هول الكلمة، الوطن ماذا فعل لنا؟!
كلمة صادمة ومهولة، لا يستحملها أمثالي ممن سبحوا في ثنيات حبات الرمال المنعشة، ونسمات عبير يتفتق عنها المخ والعقل والوجدان، ولها دون سواها.
كلمة صادمة لأنني تجولت في كثير من بلاد الله، ورأيت كيف يُبنَى الوطني في نفوس شبابه، وكيف تتجذر الوطنية في نفوس الشباب قبل الكبار، وكيف أن الدول لا تقال أو تزال إلا إذا تسأل أهلها عن مدى أهميتها "فلا تسقط القلعة المحاصرة، لكثرة المحاصرين لها، ولكن تسقط حينما يسأل حماتها عن جدوى حمايتها".
ويا ليتني لم أسأل أو أجب فتاتي التي كشفت لي الغطاء عن جهل معرفي عن معنى الوطن. وتحدثت معها طويلا كي أفهمها أن الوطن يختلف كثيرا عن الحكومات، فمن الواضح أن مفهوم الحكومة والوطن لديها ولدى الكثير ممن سألتهم مختلط لدرجة الذوبان، فمن رضي عن الحكومة رضي عن الوطن، ومن سخط على الحكومة سخط على الوطن، فهما بالنسبة لكثير ممن تحدثت معهم شيء واحد لا يستطيعون التفريق بينهما! فلم يقتصر سؤالي هذا للفتاة فقط، وإنما سألت رجلا مرموقا يعمل في إحدى الوزارات المهمة عن الوطن، فأجاب بقوله: الأمة هي الوطن! وبالتالي هناك خلط كبير أيضا بين كلمة وطن وكلمة أمة! شيء عجيب ومرعب ألا نفرق بين المصطلحات، ونفهم الفروق ونعطي كل مسمى حقه. من الحب والإخلاص الوطن ذاب بين هذه المسميات واختلط الحابل بالنابل كما يقال.
أيها الداعشي: الوطن مكان تعيش بداخله ويعيش أكثر هو بداخلك، مكان تستمتع وأنت تمشي على أرضه، فتفخر بأنك منه، تحب أهله لأنهم أهلك. مكان تعشق ترابه وتدافع عنه بدمك ومالك وبنيك. مكان تحس فيه بأصالة أجدادك وتراثهم. مكان فيه تشعر أن أديم أرضه من جلد أجدادك وتاريخهم هو تاريخك.
وطنك هو، وبكل بساطة، من يتلازم اسمه باسمك في بطاقتك الشخصية، فلا أهمية لاسمك ولا لعلمك ولا لأي شيء تدونه، ولا لأي عمل أو فعل تقوم به مهما كبر أو صغر، من دون بطاقتك الشخصية. تلك الورقة الصغيرة التي نحملها في ثنيات جلد قديم تحمل جينات التاريخ دون أن نعلم معناها!
يقول محمود درويش في إحدى قصائده: "فلتأذن لي بأن أراك وقد خرجت مني وخرجت منك، سالما كالنثر المصفى على حجر".
أيها الداعشي: ستعلم معنى كلمة وطن حينما تغادر الوطن وتسير في الطرقات، فترى عوالم غريبة لم يعهدها ناظراك من ذي قبل، حينها تعرف معنى الوطن.
وحينما تسير ببطاقتك الشخصية فلا يعترف بها أحد، ويقذف بها في وجهك؛ لأنها غير مدونة في حاسوبه، حينها تعرف معنى الوطن. حينما تتألف بإبداعك وابتكاراتك وتسبح في بحر من الأمنيات التي قد تتفرد بها عن سواك في تلك البلاد، فيسأل عن هويتك، ثم يزم شفتيه كفوهة قربة يابسة، ولا يعيرك اهتماما؛ لأنك لا تحمل نفس بطاقته الشخصية، حينها تعرف معنى كلمة وطن! حينما تتجول بين البلاد فتوقفك المنافذ ويُنثر كل شيء في محفظتك وقميصك وملابسك الداخلية والخارجية وعربتك وحتى خصلات شعرك، حينها تعرف معنى الوطن. حينما يقف شرطي المرور على رأسك فجأة يسأل عن هويتك وعملك ومن أين أتيت وإلى أي اتجاه تسير، حينها تعرف قيمة الوطن. فحدودك لا تذوب في حدود وهمية، وسيضيع السيل في المفازة. فالزم حدودك أيها الداعشي.