في هذه الإجازة الطويلة نسبيا في السعودية أسمع هذا السؤال كثيرا: لا بد أن لديك صدمة حضارية الآن وغالبا ينتهي السؤال بضحكة صفراء أحب مفاجأة صاحبها بإجابة يجدها غريبة نوعا ما، فأقول له: نعم أشعر براحة أكثر، السعودية أكثر راحة في أسلوب ومظاهر الحياة اليومية من بريطانيا.

لا أعرف، لماذا لدى السعوديين ذلك الشعور بالنقص عند التفكير في وطنهم، لقد أنجزنا بلدا عظيما في 100 سنة فقط، بينما هذه البلاد عمرها أكثر من خمسمئة قرن على الأقل، ومع ذلك نحن لسنا بعيدين عنها في الكثير من مناحي الحياة، لكن الإحساس بالنقص يجعل من الصعب إدراك حجم التفوق الذي نعيشه.

أقول ربما لأن السعوديين يمرون بأوروبا وأميركا كسياح، والسياح يبهرهم الجديد على أعينهم عكس معايشة التجربة داخل البلد بمعزل عن القشور اللامعة غالبا، فيسقطون في فخ الانبهار ويأتون ليحكوا عن جنة غير واقعية، وتبدأ فقرة اللطم والنقد غير المنصف لبلادنا.

عن بعد وأيضا ممارسة الحياة داخل دولة رأسمالية تجعلك تفتقد بلادك، خاصة في آخر الشهر، عندما تكتشف أن الدولة تشاركك راتبك، وأنك تعمل لتدفع الضرائب، هناك ضريبة على منزلك، وضريبة على سيارتك، والطريق الذي تسير عليه، والموقف الذي تقف فيه، وقطعة القماش التي تشتريها لزوجتك.

ويزيد الأمر سوءا عندما لا تتمتع بأي شيء تقدمه الدولة من خدمات، كأن تكون أجنبيا ولديك تأمينك الطبي، وأبناؤك يدرسون في مدارس خاصة هذا يصيبك بالصدمة فعلا.

الشوارع الضيقة تجعلك قائد سيارة ماهر جدا، خاصة أن المخالفات المرورية بالمرصاد، وتتضاعف تلقائيا، وتؤخذ منك على أدنى خطأ، ودون أي رحمة أو تعاطف.

قد يقول قائل هذه المبالغ الممثلة في الضرائب تقدم للفقراء، وتعبر عن مشاركة مجتمعية لأصحاب الظروف.

إن ما سبق يحمل جانبا كبيرا من النبل، لكن هذه الضرائب في رأيي ربما يعيش معها الفقير في مستوى لائق، لكن من جانب آخر هي تجعلني فقيرا عندما تتقاسم معي راتبي الشهري بدون أي تعاطف.

في السعودية لا يعيش الناس تحت مقصلة الضرائب، والدولة تتكفل بالفقراء إلى حد ما، لذا عندما تخبر هؤلاء الغربيين بذلك ينظرون نحوك بدهشة وهم يقولون بلادكم الجنة إذن.

النظام حاد جدا لدرجة أن يسرقك وهو يبتسم، لمجرد أنك لم تفهم نقطة استغلها أحدهم ضدك، ولن ينفع في ذلك أي مبرر، فكل مبرر يوحي بغبائك يستخدم ضدك، فليس ذنبهم أنك لم تكن واعيا، وكان خصمك خبيثا قليلا.

في السعودية مازال بإمكانك أن تعامل كإنسان، خاصة مع قوة الجانب الديني الذي يهدد الظلمة ولصوص المال، لذا نسمع كل يوم عن إعادة مبلغ لحساب الذمة، فضلا عن الممارسات الحياتية التي يعود أصحابها للحق.

في الواقع، من فضل الله عليك أن تعيش في بلد يخشى الناسُ فيه الله، ويتذكرون أن هناك من يراقبهم فعلا، ويهزهم بقوة قول: اتق الله، أو حسبي الله.

في العالم الغربي تتطرف قوانين حماية الطفولة بطريقة حولت الجيل الشاب لديهم إلى مجموعة كبيرة من الكائنات الخالية من التقدير والاحترام خاصة للوالدين.

الطفل يعلم بقوة القانون الذي سيتدخل ليعلم والده كيف يربيه، والأب يعلم أنه قد يدخل السجن في أي محاولة للتربية، فيلتزم بقوانين المجتمع ليقول لطفله عند بلوغه السادسة عشرة: لست مسؤولا عنك، هيا اعمل لتعيل نفسك، لنجد أن هذا الطفل عندما يكبر يقول لوالديه بهدوء: لست مسؤولا عنكما دار المسنين أولى بكما.

إن ما سبق يخشى على السعودية أن تقع فيه، خاصة مع مطالبات تبدو أحيانا أشبه بصرخات لفرض قوانين حماية الطفولة، فهذا القانون يجب أن يلتزم بالوسط، وبما أراده الله عز وجل للأسرة المسلمة.

تحب السعودية؟ ليس سؤالا سهلا في نظري؛ لأنك يجب أن تكون قادرا على رؤية مكامن الجمال، ولا تعميك الرغبة في الانتقاد لمجرد الانتقاد إلى الانتقاص من بلد عظيم جدا. قادرا على التعامل معه بعدالة في الكلمات والآراء. على دفعه للتطور والتحسن. بعيدا عن لغة الاستهزاء والسخرية. ومقارنته بدول لا تعطي شعوبها مثل ما يعطي هو.

السعودية تستحق منا أكثر لنحافظ عليها لأجيالنا حتى قيام الساعة، خاصة في هذه الظروف، وما سيجعلها أقوى هو النظر إلى ما تعطيه بعدالة، والحديث عن إيجابياتها، فأي عاصفة نقد غير مسؤولة قد تستغل في هذه الظروف العصيبة على الأمة الإسلامية.