ليس ثمة حكاية تروى في قضية جنى الشمري، فقد تعودنا من مجتمعنا الشراسة في الدفاع عن قيم وضعها البعض منذ زمن سحيق بالاتفاق أو التواطؤ، ثم ألزموا بها من حولهم في مراحل لاحقة، وتمسكوا هم بها، غير معنيين بأنها توافق الكتاب والسنة وما جاء فيهما أم لا، فهل يتوقع من مجتمع يروج لتزويج الصغيرات، أن يعدّ ذات الاثنتي عشرة سنة طفلة، بل ويبارك خروجها في محفل عام يعج بالرجال؟ ولو عدنا للتاريخ والأحداث التي مرت بنا، لوجدنا أن من يخرج على واحد من موروثات هذا المجتمع أو أكثر فليأذن "بحرب..."؛ لأنه وضع نفسه في مرمى سهام هذا المجتمع بأكثريته للأسف، رافعين لواء: "هذا ما وجدنا عليه آباءنا". إنه لا يدخر وسيلة في الدفاع عن هويته المزعومة من سب وقذف وتشهير وإيذاء، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمرأة، إذ تتداخل مع الموروث قيم أخرى، لها قواعد أكثر قوة وصلابة، كالمروءة والغيرة والنخوة والرجولة، فيستبسل الكثير أمام التلويح بهذه القيم، والدعوة إلى الدفاع عنها. كم هو مؤلم أن يتشبث والد جنى بالوطن ليخلصه من ورطته مع مجتمعه، مكررا لأمر لن يعيه البعض، أن فتاته ما هي إلا طفلة تتغنى بوطنها، ومن حقها أن تعيش طفولتها، وتنشد وترقص وتغني للوطن والأم والحياة والجمال والحرية، لكن في مجتمع سوي لا يبعد البنت عن أبيها حتى لا تفتنه، ولا يبعد الابن الوسيم عن أمه في الطريق حتى لا يظن أحد أنه يشبهها، ولا يبيح الشحاذة ويحرم العمل خوفا من الاختلاط. ولك الله يا والد جنى.