لم يكن يعلم سكان محافظة سراة عبيدة بدخول الشهر المبارك "رمضان" إلا من خلال إطلاق الأعيرة النارية في الهواء، أو إشعال النار في الجبال المحيطة.. هذا ما يؤكده العم فهد بن مسفر آل حيان، والذي تجاوز عمره الـ104 أعوام، حيث يؤكد في حديثه إلى "الوطن" أن موقعة "أبرق الرغامة" والتي دارت رحاها 1925 وهو في سن 15 عاما.

ويشير آل حيان إلى أنه يجد متعة غير عادية حينما يبعد عن التلفزيون، والذي لا يشاهده إلا في نشرة التاسعة ليلاً، ويتابع بصفة مستمرة "الراديو"، حيث ينتقل من إذاعة القرآن الكريم إلى البرنامج العام على رأس الساعة لمتابعة الأخبار، معتبراً المذياع خير وسيلة إعلامية لأنه يجعل المستمع يعيش خيالاً واسعا، ويزيد من ثقافته المعرفية.

يقول العم فهد: "صيام رمضان قديما كان الناس يعانون فيه من الجوع والظمأ والمشقة، حيث يعمل الجميع رجالاً ونساءً وأطفالاً طوال النهار تحت أشعة الشمس، إما في رعي الأغنام أو في الزراعة، ولا يعودون إلا مع الغروب، كما لا يجدون ما يجده جيل اليوم من رفاهية وأجهزة التكييف"، وعن وجبات الإفطار يذكر بأنها تقتصر على التمر واللبن والحليب والسمن البري وخبز الصاج على الجمر، هذا إن وجد لدى الأسر ميسورة الحال، وإلا فالأغلب يعيش على مقايضة الحبوب بالملح والسمن بزيت الإشعال، لافتاً إلى أن معرفة الجيل الجديد بدخول الشهر الكريم باتت تأتي بسهولة متناهية، حيث نعلم عن دخول الشهر برسائل الجوال أو مواقع الإنترنت أو متابعة التلفزيون. أما عن ظروف الصوم فإننا نعيش وسط رفاهية ولله الحمد، حيث ولى وقت الظروف الصعبة والمشاق وأصبح الصائم يتنقل وسط أجواء مكيفة سواء في المنزل أو السيارة أو العمل، ولا نشعر بأي جوع أو عطش ولله الحمد، وأن ظروف هذه الأيام أعطت الشاب فرصة كبيرة للتقرب إلى الله بالعبادات طوال فترات النهار كون أعمال الرعي والزراعة، كانت تأخذ أوقاتاً، وأصبح الشاب يعيش في وقت فراغ أغلب فترات اليوم ومن الأولى استغلالها في العبادات.

يشير آل حيان إلى أن قبل عقود لم يكن الحصول على أعودة الثقاب "الكبريت" بالأمر اليسير، وكن نساء القرية يخرجن بجمرة نار "جذوة"، يحتفظن بها تحت الرماد منذ المساء، ويسرن في الصباح أو العصر فتطلب من إحداهن من اللهج "النافذة"، تلك الجذوة لتأخذها في خشبة ليتم إيقاد النار من جديد.

وتمر أيام رمضان سريعاً بحسب آل حيان ليحل بعدها عيد الفطر والذي غالبا ما يتطلب الاحتفال به الحصول على ثياب جديدة، وهو مالم يكن متيسراً في السابق حيث نعمد إلى استعارة الثياب وتأجيرها بمبالغ زهيدة، كنا في السابق نجتمع على فنجان قهوة، كان الصدق والأمانة ما يميزنا، إن وعد أحدهم ووضع يمينه على لحيته فثق أنه لن يتراجع عما وعدك به.

يقول آل حيان: "نحن الآن نعيش في رغد من العيش، وجبات الإفطار تنوعت وأصبح من الصعب إحصاؤها بخلاف الماضي، حيث تنتشر أطباق الحلوى وأنواع مختلفة من التمور على السفرة الرمضانية التي تشمل عشرات الأنواع من الأطعمة، سابقاً لم نعرف إلا شلفة دوح "كسرة خبز"، وبعضاً من سمن أو لبن". ويؤكد العم آل حيان، أنه مشى راجلاً من قريته "الوادي الأبيض" في محافظة سراة عبيدة إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، حيث تستغرق الرحلة نحو شهر يمر خلالها بجبال عسير وحجاز بللسمر وبللحمر،تنومة، النماص، بلاد بني عمر، خثعم وصولاً إلى الباحة ثم الطائف حيث المقصد الأخير الديار المقدسة في مكة المكرمة، وأنه خلال تلك الفترة لم تكن معه مؤنة السفر، وعرف طعم أول لقمة في إحدى قرى جبال عسير، وأنه كان يعتمد على ما تجود به أنفس قاطني تلك الدور التي يمر بها، أو ربات المنازل، اللاتي كن يساعدن المسافر والأجير ببعض من الخبز وقليل من السمن أو اللبن.

ويتذكر آل حيان أيام الأجر والأجير فيقول: "عملت عاملاً بنصف ريال في قصر السقاف بجدة، ادخرت من يوميتي ما مكنني فيه ربي من شراء كسوة وبعضا من حبات الهيل حين عدت إلى مسقط رأسي".