لا يخفى على العاملين في مركز الحوار أهميته، وذلك من خلال الأهداف التي وضعت عند تأسيسه. وبما أنه قد مضى على تأسيسه أكثر من عشر سنوات فلا بد من وقفة تقييم موضوعية. وعند التقييم لا بد من مراعاة أمرين مهمين هما: مدى مشاركة الشباب في الحوار ومدى تحقق الأهداف التي وضعت للحوار. وعندما ينجح الحوار فإنه سيكون منصة وطنية فاعلة قادرة على الاستجابة السريعة للمتغيرات والقضايا بما يتمتع به من أدوات رصد واستشعار كأدوات فاعلة بشكل سريع لأي قضية ساخنة لنزع فتيل أي أزمة في مهدها قبل أن تستفحل.. الحوار مهم.. وإنشاء مركز الحوار إنجاز كبير، فلم يدر في خلد أحدنا منذ عشرة سنوات تقريباً أن ينطلق هذا المركز ويعمل أولاً على نشر ثقافة الحوار وممارستة من خلال وسائل مختلفة، وإقامة حوارات متعددة تمس كافة القضايا الهامة والحيوية بمشاركة فئات المجمتع كافة من مناطق وفئات عمرية متعددة وكافة الفئات الفكرية. وهذا بلا شك تمثيل مستمر في ظروف اعتيادية تملؤها الثقة والتفاؤل والرغبة بالتفاهم والتسامح والتعايش والعمل يداً واحدة لتحقيق التنمية في كافة مجالاتها الأمر الذي يسهم في تجنيب بلادنا ما حصل في البلدان الأخرى.
نحن نعيش في عصر مختلف متقلب متضاد ومتنوع المصادر الفكرية المتضادة أيضا وسهلة الانكشاف من كل الفئات العمرية ما جعل هذا العصر من الخطورة القصوى بمكان. فهناك تزاوج بين تقنية الكمبيوتر وبرمجياته من جهة وتقنية الاتصالات من جهة أخرى ما يمكن الفرد من صناعة المحتوى الإعلامي ونشره أو بثه واستهلاك ما ينتجه الآخرون والتفاعل معهم أولا بأول دون قيود أو رقابة سوى الرقابة الذاتية، ولم يتصور أحدنا أن يتكون ما يسمى الإعلام الاجتماعي الذي أدى في محصلته لتعزيز قوى الأطراف الأضعف في كافة العلاقات كالمواطنين أمام حكوماتهم، والمستهلكين أمام المُنتجين، والمستفيدين من الخدمات أمام مقدميها. هذا لم يدر في خلدنا.. ولم يدر في خلدنا أيضاً أن ما يسمى الإعلام الجديد سوف يستحوذ على المساحة الأكبر من أوقاتنا على حساب مشاهدتنا ومتابعتنا للوسائل الإعلامية التقليدية التي عادة ما تكون مملوكة لجهات رسمية تعبر عن سياساتها وأهدافها وتطلعاتها أو لشركات خاصة ذات أجندات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية محددة تسعى لخدمتها، الأمر الذي يشكك في مصداقيتها في كثير من الأخبار والتحليلات ما صرف الناس عنها ليتوجهوا للإعلام الجديد بمزاج سلبي يكاد يكون انتقاميا، حيث ينتشر النقد اللاذع والطعن وازدراء الإنجازات والتركيز على الأخطاء والإخفاقات بشكل متطرف يساراً كردة فعل على وسائل الإعلام التقليدية ذات السطوة الكبيرة سابقا.
أوجدت وسائل التواصل الاجتماعي منصات تفاعل كبير يتواصل من خلالها الجميع محلياً ودولياً دون قيود، الأمر الذي ولد قواعد حوارية دون مرجعيات ودون مبادئ ضمن مجاميع متعددة يجمعها ناظم فكري أو عُمري أو مهني أو هواية أو غير ذلك، وبطبيعة الحال أسقطت هذه المجاميع تلقائيا مضمون قانون التجمعات في كافة الدول العربية ما جعل المنطقة تمور في صراعات فكرية ما لبث بعضها أن تحول لصراع مادي أسقط حكومات لم يكن يتصور أحد أنها ستسقط كما حدث في تونس ومصر وليبيا، وزعزع أخرى لديها من الأجهزة والسطوة الأمنية ما لديها كما هو الحال في سورية حاليا، ومن سلم من ذلك يترقب على مستوى الحكومات والشعوب في حالة من الذهول والخوف على مصير بلدانهم خصوصا وأن العنصر الشبابي المتحمس يشكل غالبية سكان الدول العربية.
في ظل الصراعات الفكرية في العالم الافتراضي وما ترتب عليها من صراعات في العالم المادي نرى توجهاً جديداً في كافة الدول التي شهدت حراكاً مادياً عنيفاً، سواء تلك التي نجحت ثوراتها أو التي لا زالت تمارس الفعل الثوري، هذا التوجه تمثل بالدعوة للحوار بدل النزاع المسلح المُدمر للبشر والحجر والمكتسبات التنموية أو الاحتجاجات الموقفة للتنمية، ولكن وللأسف الشديد لكون الدعوة للحوار لم تأت إلا متأخرة بعد المظاهرات وسقوط الجرحى والقتلى، فقد ساد مناخ الشك وعدم الثقة لتصبح معظمها إن لم تكن كلها شبه فاشلة لغياب أحد مكونات الصراع في هذه الدول التي لا يمكن الوصول لحل مرض دون حضورها ومشاركتها الفاعلة ليصار إلى ما عرف اليوم بمصطلح "النظام يحاور نفسه"، إشارة إلى ضعف نتائج الحوار مبدئياً.
الحكومات وكافة الأطياف الفكرية في الدول التي شهدت ثورات وما ترتب عليها تتمنى لو أنها تحاورت قبل ذلك للوصول إلى حلول عملية لمعالجة الفجوة بين الحكومات والشعب من جهة بهدف تعزيز الحريات والعدالة والمساواة والمشاركة والرقابة ومكافحة الفساد وتعزيز خطط التنمية والحفاظ على المال العام وتحقيق فاعليته وكفاءته المثلى، وبين مكونات الشعب من جهة أخرى من أجل تحقيق أعلى درجات الانسجام والتسامح والتعايش بعيداً عن المناطقية والطائفية والعرقية؛ إلا أن الفرصة فاتت عليها وها هي تسعى للتحاور في ظروف غير ملائمة.
وبالتالي فلدينا بفضل الله ثم بفضل حكمة خادم الحرمين ورؤيته وتماسك المجتمع السعودي ورغبته بالتعايش والتنمية في إطار الشريعة الإسلامية السمحاء؛ أقول لدينا مركزاً حوارياً يجب أن يكون منصة وطنية استباقية تجمع وتلجأ لها كافة أطياف المجتمع وفئاته تحت سقف واحد.. وحتى يكون هذا المركز مثمراً وبناء ويعمل للتصدي لكافة القضايا التنموية والمشاكل القائمة والمتوقعة بروح تسودها الأخوة والمحبة والرغبة بالحفاظ على الوطن ووحدته ومكتسباته وتعزيز قدرات موارده البشرية، وهي ثروته الحقيقية، دون تمييز أو تفرقة. لا بد أن نكون صادقين مع أنفسنا وشفافين وذلك بعمل تقييم حقيقي لإنجازات هذا المركز، حتى يمكن تطوير أدائه وكي نضمن أنه فاعل وإيجابي وحقق الأهداف والرؤى التي وضعت له.
خلاصة القول: إن مركز الحوار فكرة رائدة وإنجاز عظيم لكن لا بد بعد مضي أكثر من عشر سنوات أن نعرف أن المركز بما يصرف عليه من ميزانيات كبيرة أنه ماض في تحقيق أهدافه ويلعب دورا كبيرا في دعم التطوير بما يحقق الإرادتين السياسية والشعبية. كما أنه يسهم في ترسيخ ثقافة الحوار كبديل ناجح للصراع المدمر للحرث والنسل، وينهض بمهمة قياس الرأي من خلال الاستطلاعات العلمية الدقيقة الحديثة والشاملة.