(في نهاية الثلاثينات الميلادية وبواسطة عود الأثل المحترق والجدران البيضاء التي اكتست خطوطا سوداء تتراقص بأحلام الطفولة) بهذه الكلمات وثق الفنان التشكيلي السعودي الرائد عبدالجبار عبدالكريم اليحيا، تجربته الفنية الطويلة، وذلك في كتاب أصدره عام 1999، بمناسبة مرور نصف قرن على ممارسته الرسم.

وكان الوسط الثقافي السعودي فجع بوفاة "اليحيا" أول من أمس عن عمر ناهز الـ 83 عاما. وقد ترك وراءه إرثا فنيا كبيرا.

رفيق درب"اليحيا" الفنان سعد العبيد، وفي اتصال هاتفي مع"الوطن"، ذكر أن الراحل كان في وضع صحي حرج في العناية المركزة بالمستشفى، وقد عرف عنه الحرص على متابعة الفعاليات الثقافية بشكل عام، وحتى قبيل دخوله العناية المركزة بيومين أبلغني السلام لجميع الحاضرين والمشاركين في معرض "الخط الدولي" المقام في صالة "الملتقى" التي أشرف عليها.

بدوره، قال مدير عام جمعية الثقافة والفنون عبدالعزيز السماعيل لـ"الوطن"، إنه عرف الراحل فنانا وإنسانا يحمل ثقافة وإنسانية راقية، كان مبدعا ورائدا من رواد الفن في المملكة وهو أكثر الفنانين تواضعا واخلاصا في فنه، وكان أول من قدم معرضا تشكيليا في المملكة. وأضاف: رحيله خسارة للوسط الفني التشكيلي وغير التشكيلي، وسيظل اسمه باقيا على مر التاريخ.

وفي رده على سؤال "الوطن": هل ستقدم الجمعية للراحل شيئا؟ أجاب: بكل تأكيد ستتم المشاورات حول عمل يناسب اسم وتاريخ الفنان الراحل عبدالجبار اليحيا.

وفي كتاب لها عن الراحل قال الدكتورة مها السنان "إنه مر بأربع مراحل متداخلة لقرابة أربعة عقود، المرحلة الأولى قدم اليحيا العنصر الإنساني والبيئة المحيطة مثال على هذه المرحلة (لوحة سوق المقيبرة). وفي المرحلة الثانية ظهر على أعماله تأثير للبنائية التكعيبية والمرحلة الثالثة قام بتقديم الإنسان في أعماله كقيمة خلاقة "أما المرحلة الرابعة التي أمضى معظمها خارج البلاد فتنوع في استخدامه للسطوح والملامس والتقنيات وغلب على أسلوبه الأسلوب التجريدي مع بقاء الموضوع مرتكزا على العنصر الإنساني فيظل الإنسان في وجدان اليحيا الهدف والرمز والقيمة والحضارة".

التشكيلي جلال الطالب، أكد أن اليحيا ثروة وطنية تشكيلية، فقدته الساحة وهو أول الفنانين السعوديين جمع بين الفن والثقافة، وهو الذي شارك في معرض تشكيلي جماعي في أوائل الخمسينات الميلادية، ثقف نفسه بنفسه بقراءة كتب النقد الفني والأدبي، تعامل مع الإنسان وحياته في المجتمع من خلال البيئة والطبيعة، وتناوله للتراث، بتصويره للعديد من الجوانب التراثية في المنازل والأزقة والمزارع، ولعل لوحته "البناء" خير دليل على مشاركة المرأة للرجل في بناء الحياة واعتمادها في مناهج التعليم الابتدائي في مادة التربية الفنية، وانتقاله إلى تناول المرأة في أعماله، وعرف بصراحته الفنية في النقد والآراء الفنية، كما عرف بأنه أول محرر تشكيلي في الصحافة السعودية عام 1387.

أما مشرف لجنة الفنون التشكيلية بمنطقة القصيم الفنان إبراهيم البواردي فقال: إن ما يميز "اليحيا" ـرحمه الله ـ هو أنه يمتلك ثقافة واسعة في مجال الفن التشكيلي من خلال ما قدمه للفن من ترجمة بعض الكتب الفنية المتخصصة في الفن التشكيلي، فهو رائد جمع بين الثقافة العالية والتواضع الجم.

ويصف الخطاط محمد جمعان الراحل بأنه "صاحب مدرسة تشكيلية خاصة، كان متواضعا علي خلق يسعد به من عرفه، عرفته في سنواتي الأولي أيام دراستي في معهد التربية الفنية بالرياض قبل 40 عاما من خلال معارضه، فكان بحق رائدا معلما، شدتني شفافية ألوانه وصفائها، التقينا في رحاب "جماعة ألوان التشكلية" فكان إلي جانب رفيق دربه الفنان سعد العبيد، مشجعا لنا ومؤازرا. زرته وهو مريض فلم تفارقه الابتسامة.. ونحن اليوم نودعه نودع جيلا بأكمله إنه "جيل الكبار".

أما الفنان التشكيلي عبدالمحسن السويلم فذكر أن اليحيا "اسم غني عن التعريف لأنه أحد الرواد ومن أوائل المؤسسين للفن التشكيلي السعودي، فعبر رحلة طويلة لاكثر من 60 عاما أسهم إسهاما فعالا، في النهوض بالحركة التشكيلية السعودية مع زملائه، حيث يغلب على أسلوبه تعدد الأساليب والأحاسيس بين التعبيرية والتكعيبية والواقعية الاجتماعية.