في خبر نشر على الصفحة الأولى في جريدة عكاظ في عددها 16094 الصادر بتاريخ الأحد 10 شوال 1431هـ الموافق للتاسع عشر من شهر سبتمبر لعام 2010م مفاده أن هناك تقريرا سريا تسلمته إمارة منطقة المدينة المنورة عن وفاة 585 بداء السرطان في المدينة المنورة، وأضاف التقرير أن إجمالي الوفيات بداء السرطان في الأعوام السبعة الماضية بلغ حوالي 4150 حالة، إضافة لوجود 1400 فتاة وشاب و600 طفل تجري متابعتهم في العيادات الخارجية والمستشفيات، هذا ما ورد في التقرير السري، ولكن أجزم أن الصورة أكثر سوادا مما ورد في هذا التقرير، وقد نوهت عن هذا الوضع المأساوي في مقال نشر لي على صفحات هذه الجريدة بتاريخ 8 يوليو 2010 تحت عنوان "حمراء الأسد والقضاء البيئي" تحدثت فيه عن مأساة حمراء الأسد التي تقشعر منها الأبدان، ذهب ضحيتها عشرات الأجنة وعشرات الأطفال وعشرات الشيبة والشبان، مأساة لن ينساها تاريخ مدينة رسول الله، ومازال ضحاياها يسقطون بالعشرات وغدا يسقطون بالمئات، السبب جشع مصانع دباغة الجلود، التي دأبت منذ حوالي عشرين عاما ومازالت (وإن اختلف الموضع) على تصريف نفاياتها السائلة الصناعية السامة في بحيرات صناعية شيدتها لهذا الغرض تحت ناظر وأعين أمانة المدينة المنورة والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، دعوني أيها السادة الكرام أوضح لكم حجم النفايات الصناعية السائلة السامة التي صرفت في هذه البحيرات منذ عشرين عاما، فمن المعروف والثابت صناعيا وعلميا أن دباغة نصف طن من هذه الجلود يستهلك حوالي طن واحد من المياه لدباغته، وكل طن من هذه المياه المستهلكة في الدباغة يحمل في طياته حوالي نصف طن من الملوثات الصناعية على رأسها الكروم والكوبالت والكبريت والعديد من الصبغات الكيميائية والمبيدات الحشرية، وإذا اعتبرنا كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) من الملوثات الكيمائية فهذا سيعني أن كل طن من هذه المياه يحتوي على قدر مماثل من الملوثات الكيميائية!!، فتخيل أخي القارئ كم من الجلود تمت دباغتها في هذه المصانع في العشرين سنة الماضية؟ وكم من المياه التي تم استهلاكها في دباغة هذه الجلود؟ والأهم من هذا وذاك كم هي كميات الملوثات الكيميائية السامة التي تسربت إلى المياه الجوفية عن طريق هذه البحيرات السامة في منطقة حمراء الأسد؟ الأرقام فلكية ومخيفة وكافية لتلوث جميع المياه الجوفية في المدينة المنورة!!.
وفي مقالي الذي نشر على صفحات هذه الجريدة في الثامن من شهر يوليو لعام 2010 ذكرت بالحرف الواحد التالي: "فمشكلة تلوث المياه الجوفية بسموم مصانع دباغة الجلود لا يقتصر فقط على منطقة حمراء الأسد بل في رأيي المشكلة عامة قد تشمل معظم المياه الجوفية في منطقة المدينة، فمن المعروف أن المياه الجوفية تتواجد تحت سطح الأرض في طبقات طينية حاملة للمياه Aquifer وهذه الطبقات قد تمتد إلى مئات الكيلومترات، ولا أعلم بالتحديد طول وعرض وسمك هذه الطبقة الحاملة للمياه، ولكن أؤكد أن طولها يحسب بمئات الكيلومترات وليس بعشرات الكيلومترات، السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو الاتجاه الجغرافي لهذه الطبقات الحاملة للمياه، فإذا كانت تمتد جهة الغرب فهذا يعني أن معظم المياه الجوفية في منطقة المدينة المنورة قد تأثرت بهذه الملوثات الصناعية، وبمعنى آخر أن مشكلة تلوث المياه الجوفية بمياه الصرف من مصانع دباغة الجلود ليست مشكلة خاصة بمنطقة حمراء الأسد بل هي مشكلة عامة تشمل معظم مناطق المدينة المنورة". وبناء على ما ذكر في هذه الفقرة أجزم الآن بما لا يدع مجالا للشك أن المتهم الأول في تفشي وانتشار داء السرطان بين سكان مدينة رسول الله هو امتداد طبيعي لتلوث آبار حمراء الأسد، لذا أناشد صاحب السمو الملكي أمير منطقة المدينة المنورة بقفل وتشميع جميع الآبار في المدينة المنورة والمناطق المحيطة بها، ولا يسمح لأي مواطن باستخدام مياه هذه الآبار إلا بعد التأكد من سلامتها وخلوها من الملوثات الكيميائية السامة. وأحب أن أنوه (وهذا الأمر ذكرته في مواقع أخرى) لنقطة في غاية الخطورة، وهي أن كل من يعتقد أن ضرر تلوث المياه الجوفية في منطقة حمراء الأسد قد انتهى بقفل الآبار في هذه المنطقة فهو واهم، فالمشكلة مازالت قائمة فالعناصر الكيميائية الثقيلة المذكورة أعلاه وعلى رأسها عنصرا الكروم والكوبلت، مازالت موجودة بمئات الأطنان ومختلطة بالرواسب الترابية الموجودة في قاع هذه البحيرات والمتغلغلة في عمود التربة حتى مستوى المياه الجوفية، هذه العناصر الكيميائية القاتلة تنتظر هطول الأمطار للتأين (تذوب) مرة أخرى إلى شقيها السالب والموجب لتصل مرة أخرى إلى المياه الجوفية، فالموضوع لم ينته بقفل هذه الآبار!! وأنا أناشد صاحب السمو الملكي أمير منطقة المدينة المنورة مرة أخرى بإجبار المتسبب في هذا الضرر البيئي المشين والخطير بتنظيف هذه البحيرات. الموضوع كبير وفي غاية الخطورة، وهناك الكثير كنت أود ذكره ولكن المقام لا يسمح، ترحموا على شهداء مصانع دباغة الجلود وحسبنا الله ونعم الوكيل.