يسرقنا العالم الافتراضي شيئا فشيئا من عوالمنا الواقعية المعاشة، دون أدنى مقاومة منا، فالعالم الافتراضي فيه من المثالية والجمال؛ ما يجعلنا نغض الطرف عن فرضياته التي نعلم أنها مرتبطة به فقط، وغير ممكنة الحدوث على أرض الواقع، حيث أصبح كثير من الناس يهربون من أصدقائهم الواقعيين ويرون فيهم أشخاصا مزعجين، إلا أنهم يرحبون حتى بذات الأشخاص في العوالم الافتراضية، وقد يصمتون أمام بعضهم في لقاءاتهم، ثم يتبادلون الشكوى والهموم في لقاءاتهم الافتراضية. ذلك أن الأصدقاء الافتراضيين لا يأتون في زيارات بلا موعد، وإن حدث فإنك تملك مطلق الحرية في التنصل من هذه الزيارة، بلا أية تبعات محرجة. ولا يحدث في العالم الافتراضي أن تتحمل ثقل زيارة لا ترغب فيها، أو تشغلك عما هو أهم، فضلا عن المثالية، والعبارات المنمقة والتراحيب التي تشيع بين الأصدقاء في العوالم الافتراضية، بل وحتى تواصل المرأة مع زوجها افتراضيا حال سفره مثلا، يجعلهما يرتديان حلة العاشقين، وإن حدث خلاف على أمر ما؛ فإنه يكون بلغة راقية ومهذبة، وسرعان ما يتبدد، حيث تغيب المنغصات الواقعية، كارتفاع الصوت، وخشونة الملامح، ولغة الجسد. كل هذه الأمور تجعل من العالم الافتراضي عالما ساحرا، جعلنا نلتقي أصدقاءنا الواقعيين في العيد على عجل، ثم نهرب لصداقاتنا الافتراضية الجميلة، في مواقع التواصل الاجتماعي (الوهمي). فهي تأخذ منا أصدقاءنا الحقيقيين وإن وصلتنا بغيرهم.