كثيرة هي الأحداث مؤخراً، أو الأدق أن أقول فجيعتان في شهر واحد، أكبر من قدرتي الاستيعابية، حادث مروع لصديقة عزيزة بل هي أخت، ووفاة خالد نجل "عم علي مغاوي" سفير رجال ألمع وحفيدته.

كلاهما كانا نتيجة حادث سير الأولى في بريطانيا، والثانية في المملكة في عسير.

لا أعلم كيف حدث حادث خالد، لكنني أعلم أنه سبقت له النجاة من حادثة سير كادت تقضي عليه، لكن تفاصيل حادثة هند، طالبة الدكتوراه التي كانت تستعد لتسليم رسالتها والعودة لأرض الوطن، أعرفها بالتفصيل، كان قدرها أن تدهس من قبل قائد دراجة نارية متهور، لم يلتزم بقواعد المرور، التي يدفع ثمنها الآن نحن أصدقاؤها وعائلتها، ويا لها من فاتورة باهظة، لكن على الرغم من قسوة الحادث، إلا أن أملنا وثقتنا في الله أن يعيد لنا هند كبيران.

تجربتي في استيعاب ما حدث لم يفهمها كثير ممن هم حولي، أو لم يستسيغوها، لحساسية الطرح فأنا إلى الآن لم أجد إجابة عن جميع ما يدور في عقلي. وهو ليس اعتراضا على قضاء الله وقدره، لكن ما عساي أن أفعل بعقلي المحدود الذي أعتقد في يوم من الأيام أنه قادر على تحليل واستيعاب كل ما يدور حوله.

وكما قال مصطفى محمود في كتابه الشهير رحلتي من الشك إلى الإيمان: "تقليب الفكر على كل وجه لأقطع به الطريق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز الموت".

هذا ما كنت عليه، لأن عقلي اعتاد على الموضوعية، وأن لكل شي تفسيرا وسببا، لكنه وقف عاجزاً عن تفسير أو فهم ما حدث لهند ثم خالد وسلاف، رغم إيماني التام بالله وقضائه وقدره، يبقى السؤال كيف لنا في زمن التفوق العلمي الذي يبدأ من المحسوس والمنظور والملموس أن نتعامل أو نعول على الغيبيات، بما أنها لا تقع تحت الحس فهي غير موجودة أصلاً!

وكما بدأ مصطفى محمود رحلته بعقله العلمي المادي البحت وإيمانه بوجود القوة الإلهية، بدأت في البحث والقراءة لعلي أجد ليس فقط الإجابة أو الفهم، بل لعلي أجد من يشاطرني التجربة نفسها، ولم أكن أتوقع أن الإنسان الذي أخذ بيدي أثناء بحثي عن إجابات لأسئلتي في درجتي الماجستير والدكتوراه، وشرح لي ما يخص تراث منطقة عسير هو نفسه الذي سيأخذ بيدي ليحل لي لغز الحياة والموت، لقد حله لنفسه منذ أن حدث الحادث الأول لولده خالد فلم يستسلم، وفعل ما بوسعه لشفائه وعودته سالماً، إلى أن قضى حتفه في حادث سير آخر!

تماسك "عم علي مغاوي" وثباته في حادثة الوفاة ليس فقط ابنه الذي نجا من حادث سابق، بل أيضاً حفيدته سلاف التي أتت إلى الدنيا بعد نجاة والدها أول مرة، مدركاً "أن الحكمة من خلقه الابتلاء والامتحان، وأن أدوات الامتحان هي كل ما في هذه الدنيا، ومدة الامتحان هي حياته على الأرض، ومكان الامتحان هو الأرض دار الزوال، فإذا انتهى زمن الامتحان أخذت منه أدوات الامتحان، وأخرج من القاعة".

فتفسير ما حدث وما يحدث يتلخص في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك:2]

وقوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ) [البلد:4]

أيضاً (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72]

رحم الله خالد، وأعاد لنا هند قريباً بإذن الله.