قضية قيادة المرأة للسيارة يمكن أن تسلك طريقها على قياس "من سار على الدرب وصل" دون أي احتكاكات بين الأطراف الاجتماعية؛ لأنها عملية تفاعلية تعيد ترتيب منظومة اجتماعية أكثر منها استحقاقا منقوصا أو معدوما، ولذلك فإن إطلاق حملة في موقع "تويتر" تحت هاشتاق "قيادة 26 أكتوبر" يأتي في إطار السير على الدرب الاجتماعي التفاعلي الذي يقترب من محطة النهاية من واقع كثير من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والعملية.

ذلك المسير في الدرب بدأ في الساعة الرابعة عصر يوم الثلاثاء 6 نوفمبر 1990، وكان ذلك موقفا جريئا ومهما يعزز حضور المرأة لما هو أكثر من القيادة، كمبادرة مجتمعية وتجاوز لعراقيل لا تبدو منطقية أو تواكب تطور العصر والزمن، ففي ذلك اليوم ومن أمام موقف سيارات مجمع التميمي بالقرب من طريق الملك عبدالعزيز، انطلقت 13 سيارة تقودها نساء بلغ عددهن 47 امرأة من أرقى الفئات الاجتماعية، بينهن الأكاديميات في جامعة الملك سعود وطالبات في الجامعة (4 طالبات) ومعلمات وإداريات في المدارس وربات منازل واثنتان من سيدات الأعمال.

أولئك النسوة بدأن خطوة الألف ميل بشجاعة استثنائية، رآها البعض فسوقا وجرأة على ثوابت اجتماعية تقليدية عفا عليها الزمن، وللمفارقة فإن بعضا ممن أطلقوا ذلك الرأي عادوا واعترفوا بقيمة ما فعلن، بل ودعموهن في حق القيادة، وهن في الواقع فتحن صفحة تاريخية لا يمكن سوى أن تنتهي بإقرار القيادة والتعامل معها كأمر واقع، وذلك أمر لن يتوقف، إذ إن المرأة من واقع تطورها العلمي والعملي ومشاركتها في الحياة العامة تزداد حاجتها للقيادة التي تتناسب طرديا مع معطيات ديموجرافية، تظهر أن المرأة أكثر عددا من الرجل في المجتمع، وأنها وفقا لذلك تتجه إلى العمل بنسبة نمو وظيفي أسرع وأكبر منه.

ذلك حفز لمزيد من الحملات ونظل نعلق السؤال: إلى متى لا يحسم الأمر؟

ولكننا لن نذهب بعيدا لتأكيد الأمل وإبقائه في النفوس؛ لأننا يمكن أن نحتفظ بإشارات وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، حين قال لمجموعة ناشطات: أطمئنكم الموضوع على الساحة وتأملوا خيرا، وأشار إلى أن موضوع قيادة المرأة للسيارة تحسمه الجهة التشريعية، ونحن جهة تنفيذية، وبالتالي فإننا أمام معطى يقودنا إلى نهاية طريق إيجابي يحسم الجدل والقضية ويجعلها أمرا واقعا قريبا.

وفي الواقع لا يمكن النظر إلى الأمر وكأنه تحد بين المرأة والمجتمع، هو في الواقع ليس كذلك وإنما هو صورة ذهنية سلبية يروج لها طرف آخر، بغية تعزيز سلبية القيادة ونبذها من المطلوبات النسائية، ذلك غير منطقي، وليس من الضروري تفسير أو تبرير العداء للناشطات في هذه القضية وكأنهن يأتين بأمر جلل أو كارثة اجتماعية، لأن السؤال البدهي الذي ينسف أي حجج رفض هو: إذا سلم المجتمع من أي تداعيات سيئة للقيادة وانتشرت النساء اللاتي يقدن سياراتهن في الشوارع وهن بكامل كرامتهن واحترام الناس لهن، فما الذي يثير المخاوف من القيادة؟

إذا كانت الإجابة بأن هناك مخاوف ومحاذير تثير القلق، فذلك يعني اعترافا ضمنيا بعدم الأهلية الاجتماعية للرجال وعدم الوثوق فيهم حينما يرون امرأة خلف مقود السيارة، أما إذا كانت الإجابة نافية لتلك المخاوف فقد انتفى الضرر والحذر واستحقت المرأة القيادة، وذلك أسوة بنظيراتها في سابق الزمن حين كنّ يقدن الدابة في جوف الصحاري، ولا يجرؤ حتى قطاع الطرق على الإساءة إليهن لأنه حتى لدى أسوأ الرجال نخوة كامنة تمنعهم من الإساءة للمرأة.

في هذا السياق لا بد من الإشارة الى أدوار كثيرين في النهوض بأعباء الطرح الاجتماعي الهادف لهذه القضية، وفي مقدمتهم الدكتور محمد آل زلفة، عضو الشورى السابق، الذي استطرد كثيرا في تناول قيادة المرأة عن قناعة ومبدأ يتفق مع تطور الزمن في ظل وجود أكثر من مليون سائق أجنبي يقول عنهم "سلمناهم رقاب بناتنا وزوجاتنا بحجة أن هذا أفضل من أن تقوم المرأة بقيادة السيارة"، وهناك الدكتورة لطيفة الشعلان التي تقود بدورها من خلالها موقعها كممثلة للمرأة في مجلس الشورى، تيارا وفكرا اجتماعيا متقدما يتسع لهذه القضية وغيرها مما يحق للمرأة وفعالية دورها التنموي والوطني، إلى جانب المئات من الناشطات اللاتي يبحثن عن تسويات منطقية لدور المرأة وقيمتها وأهميتها في البناء والحراك على مختلف الأصعدة، ولهم جميعا أقول: "لا بد من صنعاء وإنْ طال السفر".