الحراك الثقافي والمجتمعي بشكل عام الذي شهدته المملكة في شتى مناطقها ومحافظاتها ومدنها، وما زالت تشهده منذ ما قبل إطلالة اليوم الوطني إلى اليوم، ولأيام أخرى قادمة، يؤكد أن ثقافة الانتماء لم تعد مجرد شعارات براقة نطلقها هنا، أو نقرؤها هناك، وإنما أصبحت بالفعل حراكاً واقعياً يؤكد رسوخ هذه الثقافة في العقل الجمعي، الأمر الذي يبشر بازدهار آخر على مستوى الوعي بأهم القيم التي كلما سادت ازدادت اللحمة الوطنية ترابطاً وتماسكاً واعتدالاً.

فالانتماء الحقيقي هو تلك القيمة التي إذا تُرجمت الأقوال حولها إلى أفعال تجسدها كانت أهم اللبنات في بناء الحضارة والتقدم والرقي، وهو ما تشهده المملكة هذه الأيام، مما يبشر بمستقبل مليء بالأمل والرخاء والرفاهية والأمن والاستقرار للشعب السعودي.

أما إذا كان الكلام في وادٍ والفعل في وادٍ آخر، فتلك الطامة الكبرى التي تقوض ولا تبني!.

انظروا – مثلاً – إلى هذا الذي ينتمي للإسلام ثم يطعن في صحابة رسوله!، أو ذاك الذي ينتمي للإسلام ثم يُرهب مستأمناً!، أو أولئك الذين ينتمون للإسلام ثم يخربون دياره!، أو ينتمون للإسلام ثم يتركون كاميليا شحاتة ومن أسلمن قبلها خلف قضبان الكنيسة المصرية!، أو ينتمون للمسيحية ثم يحولون الكنسية من دار (عبادة) إلى دار خطف و(وئادة)!، أو ينتمون للصهيونية فيرون الهولوكوست اليهودي ويتعامون عن الهولوكوست الفلسطيني!، وانظروا إلى ذلك الذي أراد أن ينتمي فزور صورة في أعرق الصحف العربية (الأهرام) فنالت الصحيفة عنها جائزة "الجنون" السنوية لأكثر الأعمال الصحفية (حماقة) في 2010!، هذا ما نشرته الواشنطن بوست الأمريكية أول من أمس بعد حادثة نشر صورة مفبركة للرئيس مبارك على صفحات الأهرام، مشيرة إلى أن التصرف (الأبله) وحده لا يحقق هذه الجائزة، ولكن أيضاً الدفاع المتخبط (الأخرق) عن الخطأ (الفاضح)!، وانظروا إلى الذين ينتمون للبشر – أياً كانت أجناسهم ودياناتهم - ثم يتسلطون عليهم بحجة الاستعلاء الديني أو الفكري!.

نماذج كثيرة تؤكد أن الانتماء على هذا النحو لا يعني سوى مجرد الانتساب، لا النماء والزيادة في الذات وفي المنتسَب إليه، ومن ثم فلا أحد يشعر حتى بالحميمية التي تصاحب كلمة (الانتماء) منذ نطقها، وتلك أولى المصائب التي تنال من هذه القيمة التي تتحول على هذا النحو إلى مجرد أهواء تتسلط على ضعاف النفوس فتأخذهم أخذ الكوابيس إلى عوالم مليئة بالظلام والأشواك، فضلاً عن إساءتها البالغة إلى ما ينتمون إليه!.

وإذا كانت التحية - هنا - واجبة للمملكة في يومها الوطني، فإن السؤال يظل على حاله دون جواب في كثير من مجتمعاتنا العربية والإنسانية بشكل عام: متى نحصن قيمة الانتماء من حماقات الرياء والتزلف والإرهاب، فيصبح الانتماء – على إطلاقه - نعمة لا نقمة؟!.